في عام 1950 اتفقت الدول الأوروبية على عقد اتفاقية مشتركة حول توحيد سياساتها بشأن استخدامات الحديد والصلب. واليوم تحتفل هذه الدول بذكرى الاتفاق في التاسع من شهر مايو باعتبارها عيداً أوروبياً مشتركاً. صحيح أن الاتحاد الأوروبي لم يقم إلا بعد سنوات طويلة عُقدت خلالها اجتماعات كثيرة، إلا أنها انتهت بقيام الاتحاد الحالي المؤلف من 27 دولة. ولذلك يُعتبر هذا التاريخ مناسبة قومية مشتركة. إلا أن هذه المناسبة لم تلغِ المناسبات الوطنية الخاصة بكل دولة من الدول الأعضاء. فالعيد الوطني في النرويج وآيسلندا مثلاً يخلّد ذكرى تحررّهما من الاحتلال الدانمركي، والعيد الوطني في مالطا وقبرص يخلّد ذكرى تحررهما من الاحتلال البريطاني. وبعض الدول الأوروبية، من فنلندا في الشمال حتى جورجيا وأوكرانيا مروراً بدول البلطيق، تَعتبر أيام تحررّها من موسكو أعياداً وطنية تتمسك بها حتى اليوم. 
في عام 1993 انقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين؛ سلوفاكيا وجمهورية التشيك، وأصبح لكل دولة منهما عيدها الوطني الخاص. فالتشيك تعتبر ولادة الدولة الثنائية في عام 1918 عيداً وطنياً حتى اليوم، أما سلوفاكيا فتعتبر تاريخ انفصالها عن تشيكيا في عام 1993 عيداً وطنياً.
وتنقسم دول البلقان (خاصة تلك التي قامت على أنقاض انهيار الاتحاد اليوغسلافي الذي كان قائماً بزعامة الجنرال تيتو) حول ربط عيدها الوطني بتفسّخ الاتحاد أو بذكرى تحرّرها من الاحتلال العثماني. وقد اختارت كل دولة منها تاريخاً وطنياً يعكس تطلعاتها التحررية السابقة من الإمبراطورية العثمانية القديمة ومن الاتحاد اليوغسلافي الحديث.
وإذا كان معظم الدول الأوروبية يجعل يوم الاستقلال يوم التحرر من الاحتلال الخارجي، فإن إسبانيا تجعل من يوم عودة كريستوف كولومبوس من رحلته الاستكشافية في أميركا، في 21 أكتوبر 1492، ذكرى لعيدها الوطني. وهي ذكرى بداية التوسع الاستعماري الإسباني في العالم. وقد أُطلق على جزر الفلبين اسمها تيمناً بالملك فيليب الذي كان على رأس المملكة الإسبانية عندما اكتُشفت تلك الجزر. وكان المسلمون قد وصلوا إليها قبل ذلك وأقاموا فيها مدينة محصّنة أطلقوا عليها اسم «أمان الله» وهي اليوم مانيلا عاصمة الفلبين.
وخلافاً للتقاليد المعتمدة في الدول الأوروبية، فإن هولندا وحدها تعتبر عيد ميلاد الملك أو الملكة يوماً وطنياً. ولأن الملك (أو الملكة) يتغيّر بحكم سنّة الحياة والموت، فإن اليوم الوطني الهولندي يتغير أيضاً تبعاً لذلك. وقد اعتمدت هذا المبدأ أيضاً إمارة ليشينشتاين، وهي إمارة صغيرة (مثل موناكو) تتمتع باستقلال ذاتي نجح أميرها في تحويلها من إمارة زراعية فقيرة إلى سوق عالمي للمال في أوروبا والعالم. ولذلك، ووفاءً له، اعتمدت الإمارة عيد ميلاده عيداً وطنياً.
أما إيطاليا التي عرفت حكماً فاشياً قاسياً (موسوليني)، فقد تبنّت تاريخاً ليومها الوطني يخلّد ذكرى تحررها من الفاشية. وكان ذلك في الثاني من شهر يونيو 1946.
لم تربط ألمانيا يومها الوطني بالتخلص من النازية. اعتمدت أولاً تاريخ العصيان المدني الذي قامت به ألمانيا الشرقية ضد سلطة الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1953، لكن بعد توحيد شطريْ ألمانيا في عام 1990، اعتُمد يوم التوحيد في الثالث من أكتوبر من ذلك العام عيداً وطنياً لكل ألمانيا.
أما فرنسا فتعتمد ذكرى انتصار ثورة 1789 عيداً وطنياً حتى اليوم، باعتبار أن تلك الثورة كانت البوابة الجديدة التي دخلت منها أوروبا إلى عالم الحرية واحترام كرامة الإنسان (رغم كل ما رافقها من دماء وأهوال). وحدها البرتغال من بين كل الدول الأوروبية الأخرى تعتمد تاريخ ولادة شاعرها القومي لويس فاز دي كاموس تاريخاً لعيدها الوطني، لذلك ترتفع تماثيله في معظم المدن البرتغالية.
ورغم تاريخ معاناتها الطويل (الحصار الإنجليزي الذي أدّى إلى المجاعة)، فإن إيرلندا اختارت عيد ميلاد القديس باتريك عيداً وطنياً لها. ويعزّز هذا الأمر من كاثوليكيتها التي تتمسك بها في مقابل الإنكليكانية البريطانية.
في ضوء ذلك يجسد الاتحاد الأوروبي نظريةَ الوحدة في التعدّد، وهي نظرية ما تزال تبحث عن طريقها إلى العالم العربي.

*كاتب لبناني