لأول مرة في تاريخها، شرعت دولة نيبال الواقعة في جبال الهيمالايا في تصدير الكهرباء إلى بنغلاديش باستخدام شبكة الكهرباء الهندية. وقد بدأ هذا التعاون في قطاع الطاقة مع تدشين وزير الكهرباء والطاقة الهندي مانوهار لال، رفقة وزير الطاقة والموارد المائية والري في نيبال، ديباك خادكا، ووزير الطاقة في حكومة بنغلاديش، فوز الكبير خان، لانطلاق تدفق الكهرباء عبر البلدان الثلاثة.
وتواجه بنغلاديش نقصاً في الكهرباء في وقت شهدت فيه البلاد اضطرابات سياسية مع الإطاحة بالشيخة حسينة وتنصيب حكومة انتقالية. ولئن كانت الاتفاقية قد وقّعتها حكومة رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، فإن رئيس وزراء بنغلاديش الحالي محمد يونس دعم هذه الخطة الثلاثية في مجال الطاقة. بل قال إنه ينبغي على بنغلاديش والهند ونيبال وبوتان دراسة إمكانية إنشاء شبكة كهرباء لجنوب آسيا. وأضاف أن على بنغلاديش أن تستفيد من كونها جارة لنيبال على اعتبار أنه يمكنها أن تجلب الطاقة الكهرومائية بسهولة من نيبال التي لا تبعد سوى 40 ميلاً عن بنغلاديش.
عملية نقل الكهرباء تمت بعد اتفاقية ثلاثية لبيع الطاقة بين الشركة الوطنية الهندية للطاقة الحرارية، وهيئة الكهرباء النيبالية، ومجلس تطوير الطاقة البنغالي، والتي تم توقيعها الشهر الماضي في كاتماندو. وكان قرار نقل الكهرباء قد اتُّخذ العام الماضي خلال زيارة رئيس وزراء نيبال السابق بوشبا كمال داهال من أجل تسهيل أول اتفاقية ثلاثية لنقل الطاقة من نيبال إلى بنغلاديش عبر شبكة الكهرباء الهندية، وذلك بتصدير ما يصل إلى 40 ميجاوات من الكهرباء. ومن المتوقع أن يؤدي بدء تدفق الطاقة من نيبال إلى بنغلاديش عبر الهند إلى تعزيز الربط شبه الإقليمي في قطاع الطاقة. وهو تطورٌ وصفه وزير الطاقة والموارد المائية والري في نيبال بأنه مؤشر على «تحالف طاقة» بين الهند وبنغلاديش ونيبال، و«محطة تاريخية تَعد بالنمو الصناعي والازدهار الإقليمي».
هذا التعاون يندرج في إطار دبلوماسية الطاقة الهندية التي أخذت تصبح جزءاً مهماً من التعاون الاقتصادي في منطقة جنوب آسيا، التي تواجه تحديات في التكامل والاندماج الاقتصادي كمنطقة، على عكس تجمع «آسيان». ذلك أن الجهود السابقة لتعزيز التعاون من خلال «رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي»، وهي عبارة عن تجمع إقليمي لبلدان جنوب آسيا، تعثرت بسبب العلاقات المتوترة بين الدول المجاورة. فالهند وباكستان لم تشهدا تقارباً في العلاقات بينهما. والعلاقات بين الهند وجاراتها، مثل نيبال وجزر المالديف، مرت بالعديد من التقلبات.
الهند لديها اتفاقيات تعاون أخرى في مجال الكهرباء. ففي يناير الماضي، وقّعت اتفاقية مع نيبال تصدّر إليها بموجبها هذه الأخيرة 10 آلاف ميجاوات من الطاقة على مدى السنوات العشر القادمة. ذلك أن نيبال تنتج حوالي 3 آلاف و300 ميجاوات من الكهرباء، معظمها مستمدة من الطاقة الكهرومائية، وتصدّر فائض الطاقة خلال موسم الأمطار إلى الهند. وفي العام الماضي، جنت نيبال قرابة 15 مليار روبية هندية من تصدير الطاقة الكهرومائية إلى الهند. لكن حينما واجهت نيبال أزمة كهرباء خلال أشهر الشتاء، بسبب انخفاض تدفق المياه في الأنهار، وتعرضت كل محطات توليد الطاقة في نيبال لمشاكل في التدفق، وافقت الهند على تصدير ما تحتاجه نيبال من الكهرباء. وبموجب الاتفاقية، يمكن لنيبال استيراد ما مجموعه 554 ميجاوات من الكهرباء من الهند بين الساعة السادسة صباحاً والساعة السادسة مساء. ومن جانبها، طلبت بنغلاديش، التي استوردت 8622 «إم يو» (وحدة طاقة تساوي مليون كيلوواط ساعة) في عامي 2022 و2023، من الهند مساعدتَها في استيراد الكهرباء من مملكة بوتان، الغنية هي الأخرى بالطاقة المائية.
وفي الأثناء، تُجري الهند محادثات مع جيرانها الآخرين أيضاً من أجل إقامة ربط كهربائي، وتعمل على تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع مملكة بوتان الواقعة في جبال الهيمالايا، والتي وضعت نموذجاً للتعاون في مجال الطاقة منذ فترة طويلة. وحالياً، تدرس الهند وبوتان، اللتان تتمتعان بأقوى تعاون في مجال الطاقة في جنوب آسيا، إمكانيةَ إنشاء مشروع جديد للطاقة الكهرومائية بقدرة 1020 ميجاوات، من المتوقع أن يتم تشغيله في غضون شهر.
ومما لا شك فيه أن الهند تأخذ الربط الإقليمي في مجال الطاقة على محمل الجد وتحاول إنشاء إطار عمل إقليمي. ذلك أن الدول في هذه المنطقة تدرك جيداً أن الهند هي الأكثر أهلية في جنوب آسيا للقيام بذلك، نظراً لأنها تقع جغرافياً وسط جنوب آسيا وتشترك حدوداً مع كل دول جنوب آسيا الأخرى. وهذا تعاون من المؤكد أنه سيعود بالخير والفائدة على عموم المنطقة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي