شكل فوز دونالد ترامب حافزاً لقراءة ما قدمهُ عالم السياسة الأميركي الراحل جبرائيل ألموند Gabriel Abraham Almond. بدايةً نجد بأن عالم السياسة جبرائيل ألموند (1911-2002) المتخصص في النظم السياسية قد حدد جوهر الفرق بين الحزبين الرئيسين «الجمهوري والديمقراطي» بكلمة يميل، فلا يوجد بين الحزبين اختلاف أيديولوجي متناقض، فكلاهما يحظى بتأييد الليبراليين والمحافظين على حد سواء رغم أن لدى «الديمقراطيين» نسبة أعلى من الليبراليين والأعراق غير البيضاء، وهناك نسبة أعلى للمحافظين لدى «الجمهوريين» وحضور للأعراق المتنوعة، فكثيراً ما يصوت «الديمقراطيون» في قضايا «محافظة» كما يصوّت «الجمهوريون» في المواقف الليبرالية.

وفي السياسات العامة، فإن معظم «الديمقراطيين» يوجهون الإنفاق الحكومي إلى تقديم العون للفقراء والمشردين والتعليم والرعاية الصحية والإسكان، خصوصاً مع تزايد الهجرة والبطالة، وأغلبهم مؤيد للعلمانية والحرية الفردية، بعكس «الجمهوريين» الذين يميلون إلى التحفيز على الأخلاق والمحافظة، وأيضاً يميل «الجمهوريون» إلى دعم التدابير والفرص للدخول في حياة اجتماعية مادية جيدة. وبما أن الحزبين فريقان من دولة عظمى، تكشف السياسة الخارجية الأميركية عن أن «الجمهوريين» يميلون بشكل مطلق إلى القوة المادية في مظاهر الحضور العسكري الأمني في أقاليم مختلفة، وفي وسائل الردع المتعددة وفي التفوق الاقتصادي، ويقابلهم «الديمقراطيون» الذين يضيفون إلى القوة المادية صورة الدولة الديمقراطية الناشرة للقيم الليبرالية لذا فإن «الديمقراطيين» أكثر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول من باب الديمقراطية والحقوق والحريات.

وبما أن جوهر الفروق بين الحزبين تكمن في كلمة «يميل» عند عالم النظم السياسية جبرائيل ألموند، فإن فوز دونالد ترامب الكبير كشف عن أن الناخبين كانوا يعبرون عن تداخل في الفلسفة الليبرالية والمحافظة، ما يعني أنه ليس للأيديولوجيا سوى دور بسيط في الثقافة السياسية الأميركية، على سبيل المثال، استطاع ترامب في ملف تقييد المهاجرين جذب المهاجرين أنفسهم، والذين أصبحوا أميركيين بفضل سياسات الحزب «الديموقراطي»، فمعظمهم يرى بأن الحزب أقرب لأنظمتهم اليسارية الفارين منها والمتعثرة في تحقيق مستويات مقبولة من التنمية وفرص العمل، كما أن التطرف في الليبرالية والحرية جعل الكثير من الأميركيين يصوت لترامب، ويمكن لنا أيضاً القول بأن الشعب الأميركي يميل للقيادة الذكورية، فهذا الفوز هو الثاني على مرشح نسائي «هيلاري كليتون- وكامالا هاريس».

وفي الرؤية الترامبية، فإن تحسن فرص العمل ليس مربوطاً بالدعم الحكومي، بل يتجاوز ذلك إلى مسائل اقتصادية كبيرة مثل إرجاع الكثير من الصناعات والشركات إلى الداخل، إلى جانب رفع الضرائب على السلع المستوردة من الخارجية، وحفظ الأمن القومي الأميركي المرتبط بالصناعة الثقيلة والأساسية، كصناعة الرقائق الإلكترونية والحديد والصلب، وبذلك فهذه الرؤية تعني عودة هيمنة الدولة القومية على اقتصادها وأمنها بعيداً عن أو تقليصاً لأطر العولمة. ومع الترامبية، فإن مسار الليبرالية والديمقراطية الغربية كمحدد للعلاقات الأميركية قد تلاشى، لذا ستنهار فكرة الصراع الليبرالي الأوروبي مع روسيا المحافظة، خصوصاً مع بروز اليمين الأوروبي المحافظ.

*كاتب ومحلل سياسي.