من أقصى شرق العالم في آسيا، إلى أقصى غربه في أميركا اللاتينية، ومن الحضور المزدهر في أوروبا إلى الانتشار الواسع في أفريقيا، أصبحت الدبلوماسية الإماراتية خلال الأعوام القليلة الماضية نموذجاً دولياً في دعم الشراكات الاقتصادية، وبناء الجسور بين دول العالم، وأصبحت نموذجاً في مقاومة التجزؤ والانفصال بين الأقاليم والتكتلات الدولية.
وفي شراكة وصفت بالتاريخية، سطّرت الدبلوماسية الإماراتية إنجازاً جديداً بتوقيعها اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع أستراليا. ويضاف هذا الإنجاز لسجل الإنجازات الدبلوماسية لدولة الإمارات في ظل القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وهو يأتي كذلك في إطار خطة استراتيجية أوسع وسعي مستمر ودؤوب لضمان الريادة على امتداد خريطة الاقتصاد العالمي، تجارةً واستثماراً.
ولعله من الواضح أن الأهمية الخاصة التي تكتسبها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإماراتية مع أستراليا تنبع من ثلاثة أمور جوهرية، أولها، أنها تربط اقتصادين يتمتعان بمكانة دولية متميزة، وثانيها، أنها تُبنى على قاعدة قوية وراسخة من العلاقات الاقتصادية البينية، وثالثها، أن تأثيراتها الإيجابية المأمولة والمتوقعة ستدعم النمو الاقتصادي العالمي.
وفي الوقت الذي يتمتع فيه الاقتصاد الوطني ببصمة واضحة في سوق رأس المال الدولي ويمثل لاعباً أساسياً ضمن الدول الكبرى في قطاع الطاقة العالمي ويمتلك محركات قوية في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، فإن الاقتصاد الأسترالي يتمتع هو الآخر بحضور مؤثر وفاعل في سلاسل الإمداد الدولية للمعادن الأساسية والأغذية، بالإضافه إلى كونه لاعباً أساسياً بالغ الأهمية في قطاع الطاقة بنوعيها الأحفورية والمتجددة، كما هو الحال مع دولة الإمارات.
وتأسيساً على هذه المكانة الرائدة للاقتصادين الإماراتي والأسترالي، تبشر الشراكة الشاملة بينهما بمزيد من التنسيق والتعاون في سوق الطاقة العالمي ومزيد من الازدهار في تجارتهما واستثماراتهما البينية، حيث إنه من المأمول أن تزدهر التجارة والاستثمارات الإماراتية الأسترالية تحت مظلة شراكتهما الشاملة، والواقع الحالي يؤكد هذا المستقبل الواعد.
إذ تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول لأستراليا في منطقة الشرق الأوسط وشريكها العشرين على مستوى العالم. وقد بلغت قيمة تجارتهما البينية غير النفطية 2.3 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024، وهذه القيمة تعكس نمواً قياسياً في التجارة البينية بنحو 10.1% مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي 2023.
وعلى صعيد الاستثمار، تعمل في بيئة الأعمال الإماراتية التنافسية نحو 300 شركة أسترالية، وهناك نحو 55 مشروعاً استثمارياً يستعد لاستقبال الاستثمارات الإماراتية في السوق الأسترالية بنهاية العام 2024.
وانطلاقاً من العلاقات التجارية القوية والفرص الاستثمارية التنافسية، تنعقد الآمال على العديد من الآثار الإيجابية التي ستخلقها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في المستقبل، منها ما يخص الاقتصادين الإماراتي والأسترالي، ومنها ما يخص الاقتصاد العالمي في مجمله.
وبالنظر إلى الاتفاقيات العديدة التي تم توقيعها بين الجانبين تحت مظلة الشراكة الشاملة، يتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني لدولة الإمارات ازدهاراً في قطاع الأمن الغذائي والمزيد من الارتقاء في مكانته في سلاسل القيمة العالمية لصناعات الطاقة المتجددة، كما ينتظر أن يحقق الاقتصاد الأسترالي معدلات نمو اقتصادي متسارعة في ظل انفتاحه على الاستثمارات الإماراتية القوية، وتنتظرهما معاً شراكةٌ تجارية تصل لنحو 15 مليار دولار بحلول عام 2032.
وبالإضافة لهذه الآثار الإيجابية الواعدة لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، فإن الاقتصاد العالمي يتوقع أن يجني الكثير من ثمار الشراكة الإماراتية الأسترالية، ليس فقط على صعيد دعم العمل المناخي الدولي مع كل نجاح تحققه دولة الإمارات في قطاع الطاقة المتجددة، بل يتوقع لهذه الشراكة أن تدعم ازدهار سلاسل الإمداد ما بين الشرق والغرب، وبما يحقق الرخاء العالمي المنشود.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية