أسفر التعاون والتفاهم والشراكة بين وزارة السلام في جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بأبوظبي عن عقد مؤتمرٍ بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ناقش على مدى يومين، في حوارٍ مفتوح، قضايا التعاون والتضامن والتسامح والعيش المشترك، وانتهى إلى إصدار «وثيقة أديس أبابا للتسامح والمواطنة والسلام».
حضر المؤتمر الحاشد رئيسُ جمهورية إثيوبيا وعشرات الوزراء والنواب وكل زعماء الجهات الدينية الإثيوبية ووفود من أفريقيا وروسيا، وفريق من جامعة محمد بن زايد برئاسة مدير الجامعة. وتنصُّ الوثيقة التي أجمع عليها الحاضرون، وصدرت باللغات الأمهرية والعربية والإنجليزية، في المقدمة على اعتبار التسامح والتعايش ركيزتين أساسيتين في بناء المجتمعات المتقدمة والمزدهرة، وهما فضلاً عن ذلك فضيلتان أخلاقيتان تسهمان في تعزيز الحوار وإرساء التفاهم بين أفراد المجتمع وفئاته الدينية .
وتقرر الوثيقةُ في بنودها الأربعة عشر مبدأ المساواة القائم على المواطنة والتناظر في الحقوق والواجبات، وفي الطليعة مسلَّمة العدالة القانونية والأخلاقية وحماية حقوق الإنسان وأولها حماية الحق في الحياة، وضمان حرية التدين وتعزيز الكرامة الإنسانية. ومن ذلك السواسية بين الجنسين، وحماية الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. وكما في الإعلان العالمي والمواثيق العالمية، هناك الاعتراف بالتعددية الإثنية والثقافية، واحترام حرية العبادة وحماية دُور العبادة بحيث تثبت حقوق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية بحريةٍ وأمان. وتمضي الوثيقةُ معتبِرةً تعزيزَ التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية مطلباً ذا أهمية قصوى لبناء مجتمع متماسك ومستقر. وهو تعايُشٌ فيه التنوع الذي يعني أن كل فردٍ، بغض النظر عن انتمائه الديني أو الثقافي، هو جزءٌ لا يتجزأ من نسيج المجتمع. أما ثقافة التسامح فهي ركيزة أساسية للتفاهم المتبادل، من خلال الانفتاح عبر الحوار والتواصل في المجتمع المفتوح على قيم التضامن والتعاون.
وكما أن الحوار الثقافي والإنساني في الأهمية، يأتي تعزيز الحوار بين الأديان بوصفه أداةً قويةً للتقارب، فالاختلاف بين الأديان وداخل كل دين ليس تهديداً، بل هو مصدر ثراءٍ وإلهامٍ للجميع. ومن خلال المشتركات القيمية والأخلاقية يتعزز السلام الوطني المؤسَّس على العيش المشترك.
ينبغي أن يظل الدين قوةً إيجابيةً وسبيلاً للتلاقي، ولذا يرفض المجتمعون استخدامَ الدين أداةً لتحقيق أهدافٍ سياسية. إنّ كل هذه المبادئ والقيم يحتاج تأكيد الوعي بها إلى المبادرات المستمرة والفعالة لتعزيز ثقافة المواطنة ونبذ الكراهية، وتعزيز الألفة بين الناس.
في محاضرات وكلمات المؤتمر تحدث رئيس الجمهورية الإثيوبية، ووزير السلام، وعدد من زعماء الكنائس الإثيوبية، وممثل الفاتيكان.. عن سياسات دولة الإمارات في نشر ثقافة الحوار والسلام بين الأديان، وذكروا «وثيقة الأخوّة الإنسانية» الموقَّعة في أبوظبي عام 2019، وأثنوا على الجهد الدؤوب الذي بذلته جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وصولاً إلى عقد المؤتمر وإقرار الوثيقة. وفي كلمة مدير جامعة محمد بن زايد الدكتور خليفه الظاهري جاء قوله إنّ دولة الإمارات تعتبر السلامَ بين الأديان سلاماً للمجتمعات والدول الوطنية العاملة على الاستقرار والتنمية المستدامة. ودعا المجتمعينَ إلى تكثيف مبادرات التلاقي لإنفاذ بنود الوثيقة، والانطلاق إلى مستقبلٍ زاهرٍ للجميع في جمهورية إثيوبيا وأفريقيا والعالم ككل.
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية