يدل عنواننا على العلَم بفتح العين وليس بكسرها، فنحن هنا أمام فتح كبير من فتوحات العرب يُجسدهُ فتحُ العين، حيث تصبح العينُ عيناً تتفجر منها قيم الوحدة والكرامة والسلام وحب الحياة مع سيّد الألوان وملكها، اللون الأسود، ومقالتنا ضرب من التأمل في حيثيات يوم العلم في الإمارات، ودلالاته الفلسفية. في كتاب القوانين، يشير أفلاطون إلى أهمية الأعياد في تثبيت القيم، وترسيخ فضائلها في نفوس ساكنة البلد عبر مرور العصور وتعاقب الأزمان، وتتالي الدّهور. وهو طبعاً كان يشير إلى ما كان يراه وإلى ما أوثر عن الأجيال القديمة من جعل الأعياد فرصة للاحتفاء برموزها، مدحاً وحفراً ونشراً.
ولا يقتصر الأمر على الأعياد الدينية التي تمس المشاعر القدسية للمؤمن، بل يتعداها إلى الأعياد الوطنية التي تمس جوانب الاعتزاز في قلب المواطن بالمدينة التي ينتمي إليها ويتفيأ تحت ظلالها أمنه وسعادته ورفاهيته. لا يتردد الإماراتيون في الوقوف لردهة من الزمن يوم الثالث من نوفمبر من كل عام أمام عَلمهم، فهم يُهرعون إلى هذه المناسبة بقلوب جذلى وأمارات الفخر تعلو منهم الوجوه، يقفون في سكون رهيب وهم يتابعون علَمهم وهو يعلو السّماء ويشرئب إلى أفقهم الذي يترقبونه بكثير من التفاؤل والغبطة والافتخار. فما دلالة العلم في قلوب هذا الشعب الطيب؟
الدلالة الأولى التي لمحتها في الكتابات التي عالجت الحدث، هي رمز العَلَم إلى الوحدة، والوحدة في حس الإماراتيين لها قدسية لا تضاهيها إلا قدسية الإيمان الذي يخالط بشاشة قلوبهم. والسبب في ذلك هو ارتباط الوحدة بالمعلم الأول للإمارات، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد كان سعي هذا الرجل إلى الوحدة بكل عزيمة وإصرار، ولم يهدأ له بال حتى رأى شيوخ الإمارات يقفون أمام علم واحد يُجسِّد وحدتهم ويرمز إلى الأيادي المتضامنة، ويد الله عز وجل فوقها، من أجل بناء دولة جديدة تنتفع بخيراتها وتوحد قرارها، فالعَلم وحدة ضد الفرقة والتنازع، والعَلَم نجاح ضد الفشل وذهاب الريح.
الدّلالة الثانية التي لمحتها في هذه الكتابات أيضاً، هي أن العلم يرمز إلى الكبرياء، فهذه الكبرياء العظيمة تجسدت في قطعة قماش بألوانها الأربعة الزاهية، وعصاً تحمل هذه القطعة وتصونها عن الزلل، ومن هنا يقاس احترام كبرياء الوطن باحترام علَمه.
وعندما خاطب المغفور له الحسن الثاني أحد الصحافيين بأنه إذا تجرأ أحدهم ولعب بالعلم لعباً خسيساً لن يتسامح معه وسيكون مصيره العقاب، لم يكن يفعل سوى تأكيد ارتباط كبرياء الوطن بهذه القطعة من القماش بألوانها، لأنها لم تعد قطعة بل تحولت رمزاً مقدساً، يختزل الوطن كله.
من طبيعة «الرمز»، كما هو الأمر في السيميائيات المعاصرة، أن دلالته لا تتناهى كما بين إميل بنفست، على خلاف «العلامة» ذات الدلالة المحددة، ومن هنا لا تكفينا هذه المقالة في تتبع الرموز الكبرى للعلم، لكن الإشارة إلى رموز ألوانه الأربعة تغني عن ذلك، في هذا المقام على الأقل: تُحَلِّي علم الإمارات أربعة ألوان: الأبيض، والأحمر، والأخضر، والأسود، والتي ترمز للوحدة العربية، وبالتفصيل يرمز اللون الأخضر إلى النماء والازدهار والاخضرار والتطور والرخاء واستدامة التنمية والنهضة، أما اللون الأبيض، فيرمز إلى عمل الخير والبذل والعطاء، والسعي لتحقيق السلام ونشره.
أما اللون الأسود، فيرمز إلى قوة أبناء الإمارات ومنعتهم وشدّتهم، ويرمز اللون الأحمر إلى تضحيات أبناء الوطن لحماية المنجزات والمكتسبات الوطنية، ويستحضر إرث البطولة والشهادة التي سطّرها جنود الإمارات البواسل بدمائهم.
يمكن للمرء أن يذهب مذاهب شتى في تأويل هذه الألوان، وتذوّق دلالاتها القيمية، واستمراء فضائلها المعبّرة، فالرسول الكريم كان يحب هذه الألوان. وحبّ هذه الألوان يرمز إلى سلامة النفس ونقائها وارتباطها بالفطر ة، ويرمز إلى حبّ الحياة، الحياة في الوطن بالاستمتاع بخيراته، والحياة بالدفاع بالقاني من الدماء، من أجل عِزّته.
ولعل اللون الأسود يذكرنا بالتّقليد الإماراتي في اللباس النسائي، وإشارة إلى أهمية المرأة في هذا البلد الأمين. أبحنا لأنفسنا تأملاً فلسفياً في العلم، عند الحديث عن يوم العلم، وليظل علم الإمارات رمزاً لسلام القلوب والحُبّ النابض فيها، ولتظل ألوانه الزاهية ترفرف بالوحدة والكبرياء.
* مدير مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.