بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله ورعاه، وعدد من رؤساء الدول والحكومات، افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة بريكس في دورتها السادسة عشر في مدينة قازان الروسية. بالنسبة لدولة الإمارات هذا الحضور الأول لها على مستوى القمة لاجتماعات المجموعة، بعد أن انضمت إليها رسمياً كعضو عامل.

وفي هذا المقام نحن لن نتحدث عن اجتماع قمة «بريكس» الأخير ذاته، ولكن اهتمامنا سينصب على ظهور المجموعة كظاهرة للتنوع الاقتصادي العالمي وللتعددية في الاقتصاد الدولي. وظهور مجموعة بريكس بالزخم الذي هي عليه الآن والقوة الاقتصادية للدول الأعضاء التي من بينها الصين وروسيا ودولة الإمارات وجنوب أفريقيا، وهي جميعها من خارج منظومة دول الغرب يشكل ظاهرة جديدة، تنبئ بحدوث تغيرات ملحوظة على صعد العلاقات الدولية والاقتصاد الدولي والتجارة الخارجية لجميع دول العالم. العلاقات الاقتصادية الدولية ذات تاريخ طويل يمتد لثلاثة قرون، ودراستها تتناول المعاملات الاقتصادية والتجارية التي تتضمن عبور الحدود السياسية للدول، أي هي علاقات تحدث بين مجموعة متعددة من الدول، وقد تعددت النظرات إلى العلاقات الاقتصادية الدولية باختلاف النظر إلى الدول ذاتها من حيث تكوينها وتعريفها، أو من حيث اعتبارها المجازي كفرد أو كمشروع اقتصادي - تجاري. النظر إلى الدولة كفرد أو كمشروع ذي أبعاد فلسفية قوامها أنه يتوجب استخدام العلاقات الاقتصادية الدولية على نفس منوال السلوك الذي يتبعه الأفراد، أو تتبعه المشاريع الاقتصادية، وهي نظرة موجودة وإن كانت بصورة ضمنية حاليـاً كأساس لعدد من الأفكار الاقتصادية السائدة في الدراسات الاقتصادية. ومن ناحية تاريخية يعود ظهور هذه النظرة إلى فكر من عرفوا بالتجاريين أو في اللغات الأوروبية mercantilists الذي ظهر في الفكر الاقتصادي الغربي منذ القرن السابع عشر. لدى التجاريين تتمثل الدولة في مركز النخبة السياسية، ويتوجب على هذا المركز أن يتبع نفس أساليب رجل الأعمال الفرد والمشاريع الاقتصادية في إدارة اقتصاد الدولة على الصعيد الخارجي. وتقليدياً هذا معناه أن يصدّر إلى الخارج أكثر مما يستورد منه لكي يحقق الأرباح.

وقد أدى تشبيه الدول بالأفراد والمشاريع التجارية والاقتصادية الخاصة إلى تكوين مضامين تعني وجود نظرة خاصة إلى ماهية الثروة، وجعلت ثروات الدول تقاس بما لديها من أموال سائلة ومعادن نفيسة خاصة احتياطيها من الذهب والفضة والمعادن النفيسة، تماماً، كما تقيم ثروات الأفراد. وعليه، فإن التجاريين كان هدفهم من العلاقات الاقتصادية الدولية هو قدوة الدولة على تحقيق الأرباح وزيادة ثرواتها عن طريق قيام الدولة ببيع السلع للدول الأخرى أكثر مما تشتري منها. وعملية البيع للخارج يجب أن تكون مريحة، وتحقق فائضاً في الصادرات على حساب الواردات، مما يصبح هدفاً للسياسة الاقتصادية للدولة على صعيد علاقاتها مع الدول الأخرى.

لكن مع مرور الوقت تبدلت المسائل ولم تعد النظرة إلى الدولة تتجسد في مركز النخبة السياسية، وأصبحت الدولة هي مجموع الشعب الذي يقطنها، والمصلحة العامة هي مجموعة من المصالح التي تعم الجميع بما في ذلك مصالح الأفراد والمشاريع الخاصة. وتحت مظلة الدولة التي تشمل الجميع ظهر التناسق بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة. وضمن ذلك يمكن ملاحظة اتجاهين: الأول: هو الذي يقوم على أساس أن سوق المنافسة الكاملة يسود كافة المعاملات. والثاني: هو الذي يقوم على أساس أن المنافسة السائدة في العلاقات الاقتصادية الدولية ليست كاملة بين الدول. وهذان الاتجاهان يحتاجان إلى توضيح وتفصيل سنجريه في المقال القادم.

*كاتب إماراتي