- في مدينة كالي بكولومبيا، وتحت عنوان «السلام مع الطبيعة»، وخلال الفترة من 21 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 2024، انعقد مؤتمر الأطراف السادس عشر للتنوع البيولوجي «كوب 16»، لمناقشة أفضل السبل لحماية التنوع البيولوجي، ووضع مخطط دائم يسمح للبشرية بالعيش في وئام مع الطبيعة، مع الاعتراف بأن التنمية الاقتصادية ينبغي ألا تأتي على حساب البيئة. «كوب 16» يهدف إلى قياس التقدم المحرز في «إطار كونمينج-مونتريال»، كونه خريطة طريق عالمية اُعْتُمِدَت قبل عامين في «كوب 15» بمونتريال في عام 2022، تهدف إلى تحويل علاقتنا مع الطبيعة وتحقيق مستقبل «العيش في وئام مع الطبيعة» بحلول عام 2050. والهدف الرئيسي هو حماية على الأقل 30% من اليابسة والمحيطات على الكرة الأرضية.
البداية من 1992
مؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي يُعقد كل عامين للاتفاق على التزامات لحماية البيئة بمشاركة أكثر من 190 دولة موقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي»، فمنذ إنشائها في عام 1992، عززت الاتفاقية أهمية حماية التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، ووضعت التزامات أمام الدول الموقعة عليها. الهيئة الإدارية للاتفاقية تتمثل في مؤتمر للأطراف (COP)، ينعقد كل عامين لمراجعة التقدم المحرز وتحديد الأولويات والالتزام بخطط العمل. ويقع مقر أمانة الاتفاقية في مونتريال، ووظيفتها الرئيسية مساعدة الحكومات على تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي وما تتضمنه من برامج عمل، وأيضاً تنظيم الاجتماعات، وصياغة الوثائق، والتنسيق مع المنظمات الدولية الأخرى وجمع المعلومات ونشرها.
مؤتمر «كالي» سعى للتأكيد على نتائج مؤتمر الأطراف الخامس عشر التاريخي في مونتريال عام 2022، حيث اتفقت الأطراف على إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، وأهدافه الطموحة المتمثلة في حماية 30 في المائة من أراضي العالم ومحيطاته، واستعادة 30 في المائة من النظم البيئية المتدهورة بحلول عام 2030، ضمن ما يعرف بـ (30X30).
«كوب 16» فرصة للتركيز على حماية التنوع البيولوجي، وتعزيز الترابط بين السياسة البيئية والمناخية، ومن بين الخطوات الإيجابية التي تضمنها المؤتمر تعهد الحكومة الألمانية بتقديم 1.5 مليار يورو سنوياً للحفاظ على البيئة على مستوى العالم بدءاً من عام 2025. وفقاً لوكالة التنوع البيولوجي التابعة للأمم المتحدة، قدمت 29 دولة فقط - من أصل 196 دولة - حتى الآن تحديثات رئيسية لخططها الوطنية للتنوع البيولوجي، والتي من المفترض أن تشمل طرقاً للوصول إلى هدف الحفاظ على البيئة لعام 2030 المتفق عليه، قبل عامين، في «كوب 15» في مونتريال.
صك قانوني
اتفاقية التنوع البيولوجي هي الصك القانوني الدولي «لحفظ التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام لمكوناته والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية» التي تم التصديق عليها من قبل 196 دولة، وتهدف الاتفاقية إلى تشجيع الإجراءات التي ستؤدي إلى مستقبل مستدام. ولأن الحفاظ على التنوع البيولوجي اهتمام مشترك للبشرية، تغطي اتفاقية التنوع البيولوجي النظم الإيكولوجية والأنواع والموارد الجينية، والتكنولوجيا الحيوية، بما في ذلك مضامين «بروتوكول قرطاجنة للسلامة البيولوجية»، الاتفاقية تشمل المجالات الممكنة التي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالتنوع البيولوجي ودوره في التنمية، بدءاً من العلوم والسياسة والتعليم إلى الزراعة والأعمال التجارية والثقافة، وغير ذلك الكثير.
رؤية الإمارات
وخلال مشاركتها في «كوب16» أكدت رزان المبارك، رائدة الأمم المتحدة للمناخ لمؤتمر الأطراف«كوب28» رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، أهمية التركيز على الدور المام والحيوي للطبيعة في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز المرونة والاستقرار الاقتصادي عالمياً، وشددت سعادتها على ضرورة زيادة الجهود الرامية لتبني حلول مناخية قائمة على الطبيعة، توحيد الجهود العالمية في هذا المجال، لتحقيق الاستفادة القصوى من قدرات الطبيعة لحماية التنوع البيولوجي والحد من الانبعاثات ودعم التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ووصفت «كوب16» بأنه يقوم بدور مهم كمنصة لتوضيح مدى أهمية الإستراتيجيات القائمة على الطبيعة في تحقيق مستقبل مستدام.
وقف مسار فقدان الطبيعة
وفي تصريح خاص لـ «الاتحاد»، أشارت مارينا انتونوبولو، الرئيس التنفيذي لإدارة الحفاظ على الطبيعة والمناخ والطاقة بجمعية الإمارات للطبيعة، إلى أن العالم اتفق قبل عامين على وقف مسار فقدان الطبيعة، بل وتغيير اتجاهه نحو زيادتها، حيث تبنت 196 دولة إطار كونمينج-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، هدفاً يتمثل في الحفاظ على 30% من الأراضي والمياه العذبة والبحار في العالم بحلول عام 2030. وفي مؤتمر الأطراف السادس عشر، يبدو أن تقييم مدى التقدم العالمي نحو تحقيق هذه الأهداف كشف أننا بعيدون عن تحقيق ذلك.
وحسب انتونوبولو، فإن معدل اختفاء الطبيعة سريع وينذر بالخطر، وضمن هذا الإطار، نشر «الصندوق العالمي للطبيعة» و«جمعية علم الحيوان» في لندن مؤخراً «تقرير الكوكب الحي 2024» الذي يكشف عن انخفاض كبير بنسبة 73% في أعداد الحياة الفطرية العالمية خلال الـ 50 عاماً الماضية فقط. وأكدت انتونوبولو أن التغير المناخي يحدث وبشكل أسرع، مما يضيف المزيد من الضغط على أنواع الكائنات الحية، وهذا أمر يضر البشرية، «لأننا نعتمد على الطبيعة والمناخ المستقر للحصول على الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي نأكله، والموارد التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة».
واستنتجت انتونوبولو في تصريح لـ «الاتحاد» أنه من أجل العودة إلى المسار الصحيح نحو مستقبل صالح للعيش وإيجابي تجاه الطبيعة وقادر على التكيف مع تغير المناخ، يجب علينا أن نقوم وبسرعة كبيرة بتغيير الأنظمة المتبعة في إنتاج واستهلاك الغذاء والطاقة والتمويل. وأضافت: «يجب إعطاء الأولوية للطبيعة ووضعها على رأس جداول الأعمال الاقتصادية لتعزيز جهود حمايتها والعمل على استعادتها، وبالتالي تقليل الطلب المتزايد على إيجاد تمويل للمشاريع المخصصة لحماية الطبيعة». ودعت «انتونوبولو» إلى تعزيز أكبر قدر ممكن من التقارب بين أهداف المناخ والطبيعة، ووضع النظم البيئية الطبيعية على رأس أولويات جهود التخفيف من آثار المناخ والتكيف معه. وأكدت أهمية وضع خطط أكثر جرأة وطموحاً تضمن اتخاذ إجراءات حاسمة من أجل الطبيعة والتنوع البيولوجي.
فقدان التنوع البيولوجي
وخلال «كوب 16»، دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، دول العالم إلى تنفيذ إطار كونمينغ-مونتريال، الذي أُقِرّ قبل قرابة عامين في كندا، ويهدف إلى وقف فقدان التنوع البيولوجي بحلول عام 2030، من خلال هدف عالمي متمثل في حماية ما لا يقل عن 30% من النظم البيئية للأراضي والمياه في العالم. وشدد غوتيريش على أهمية الخطط الوطنية التي تتماشى مع أهداف الإطار، مدعومة برصد شفاف وتمويل قوي، بما في ذلك ما لا يقل عن 200 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. وعلى الرغم من التحديات، أشار السيد غوتيريش إلى مبادرات واعدة، مثل جهود الحد من إزالة الغابات في البرازيل وكولومبيا وإندونيسيا، وتركيز حوض الكونغو على توسيع المناطق المحمية، وأشاد بقانون استعادة الطبيعة الصادر عن الاتحاد الأوروبي، والاتفاق التاريخي الذي كانت الأمم المتحدة أقرته يوم 19 يونيو 2023، بشأن التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية، التي تغطي ما يزيد على ثلثي محيطات العالم.
أزمة كوكبية ثلاثية
بدورها، أشارت أنجر أندرسون، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أن (إطار كونمينج-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي) الصادر في 19 ديسمبر 2022، خلال مؤتمر «كوب 15» بمدينة مونتريال الكندية، هو الخطة الأكثر جرأة لتحقيق السلام مع الطبيعة. خطة يمكنها، عندما ننفذها وندمجها مع اتفاقية المناخ، واتفاقية التصحر، واتفاقيات التلوث، أن تعالج حقاً ما نشير إليه بالأزمة الكوكبية الثلاثية - أزمة تغير المناخ، وأزمة الطبيعة، والتنوع البيولوجي وفقدان الأراضي، وأزمة التلوث والنفايات.
إطار كونمينج-مونتريال
ونوهت أندرسون إلى أن الرؤية الشاملة لإطار كونمينج-مونتريال تتضمن 23 هدفاً واضحاً، العديد منها قابلة للقياس الكمي. واعتباراً من 29 أكتوبر، قدم 115 طرفاً أكثر من 2645 هدفاً وطنياً، وقدم 36 طرفاً استراتيجيات وخطط عمل وطنية للتنوع البيولوجي متسقة مع الإطار العالمي للتنوع البيولوجي، بينما يعمل العديد من الأطراف الأخرى بجد لتحقيق ذلك. وترى أندرسون أنه يتعين علينا أن ندعم البلدان لضمان أن تكون هذه الخطط طموحة وقابلة للتحقيق، وأن يُوَافَق عليها على مستوى سياسي رفيع لتأمين نهج يشمل الحكومة بأكملها والمجتمع بأكمله. وأكدت أنه بطبيعة الحال، سيكون التمويل القوي ضرورياً للتنفيذ على المستوى الوطني والإقليمي. ويدعو الإطار إلى زيادة كبيرة في التمويل العام والخاص، إلى جانب التخفيض الكبير في الحوافز والإعانات الضارة.
وأشارت أندرسون إلى أن صندوق الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لا يزال يعاني من نقص رأس المال، ودعت لمساهمات عاجلة من الموارد العامة والخاصة والمبتكرة. وأوضحت أندرسون أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يدعم «إطار كونمينج-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي» بشكل تام، ويفخر البرنامج بدعم 70 دولة في تجهيز استراتيجياتها وخطط عملها الوطنية للتنوع البيولوجي، كما يدعم البرنامج تطوير هذا الإطار.
معضلة التمويل
وفي عام 2022، تم الاتفاق على تقديم 20 مليار دولار سنوياً للدول النامية بحلول عام 2025، لكن لم يتحقق هذا الهدف. وبدا واضحاً أن حماية التنوع البيولوجي لا تأتي بثمن بخس، فهناك حاجة إلى نحو 700 مليار دولار لبدء العمل. وعن هذا التحدي، يقول خوان بيلو، المدير الإقليمي، ممثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: «في الوقت الحاضر، هناك حاجة إلى 200 مليار دولار في السنة.. وهناك حاجة إلى 500 مليار دولار أخرى في القطاعات الاقتصادية مثل قطاع الغذاء والطاقة لتحويل الإعانات الضارة حالياً بالتنوع البيولوجي». من المحتمل أن يؤثر تمويل التنوع البيولوجي على جهود البلدان النامية لحماية الطبيعة. وهناك بعض النماذج الجيدة، فكولومبيا لديها خطة استثمارية للتحول إلى الطاقة النظيفة بقيمة 40 مليار دولار، وتهدف أيضاً إلى حشد التمويل اللازم لاستعادة الغابات والاستخدام المستدام للأنظمة البيئية. وفي «كوب 15»، اتفقت دول العالم على إنشاء صندوق للتنوع البيولوجي لدعم الحفاظ على الطبيعة، لكنه تلقى حتى الآن مبلغاً ضئيلاً قدره 200 مليون دولار، ويواجه عقبات في تأسيسه وتشغيله.
وفي مؤتمر الأطراف السادس عشر، احتدم الجدل حول مستقبل الصندوق، حيث تريد بعض الدول النامية ذات التنوع البيولوجي استبداله بصندوق جديد يمنحها دوراً أكبر في كيفية إدارته وسهولة الوصول إلى موارده. قبل عامين، في «كوب 15» بمونتريال، وافقت 196 دولة على إنشاء صندوق لمشاريع الحفاظ على الطبيعة واستعادتها - لكنه يواجه صعوبات في جذب مساهمات كبيرة. والآن، في «كوب 16»، يحتدم السجال بين المفاوضين الحكوميين حول ما يجب فعله، وتدفع مجموعة من البلدان النامية - التي تشعر بالقلق إزاء وصولها إلى الصندوق الحالي - باقتراح لإنشاء صندوق جديد للتنوع البيولوجي في إطار مؤتمر الأطراف. وتهدف الخطة إلى أن تحل محل تلك التي أُنْشِئَت في مونتريال، والتي يديرها مرفق البيئة العالمية، وأن يكون للدول النامية الغنية بالتنوع البيولوجي دور أكبر في كيفية إدارتها.
فجوة التريليون!
وحسب التقرير الصادر في 22 أكتوبر المنصرم، عن «بلومبيرج NEF»، والذي أعده «هيوج بروميلي» بعنوان «حقائق حول تمويل التنوع البيولوجي»، فإن الفجوة بين التمويل الحالي للتنوع البيولوجي والاحتياجات المستقبلية قد اتسعت لتبلغ 942 مليار دولار. ومستوى التمويل الحالي بلغ 208 ملايين دولار سنوياً، بعدما كان 166 مليار دولار في عام 2021، ويتوقع التقرير، بحلول 2030، زيادة في تمويل حماية التنوع البيولوجي في العالم قدرها 5 أضعاف التمويل الحالي، ليصبح إجمالي التمويل المطلوب 1.15 تريليون دولار أميركي. ويحذر التقرير من أن تكلفة عدم التحرك لمنع فقدان التنوع البيولوجي، ستقع على عاتق الشركات والحكومات، خاصة أن 55% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي يعتمد الطبيعة، وعندما تتعرض الشركات لخسائر جراء مخاطر تتعرض لها الطبيعة، فإنها تفتقر لمقاربات ناجحة لإدارة هذه المخاطر.
ويبدو أن «كوب 16» لم يقدم خطوة عملية جديدة في مسألة التمويل، وأن السجال سيتواصل في مرحلة لاحقة بعد المؤتمر. وتأتي مناقشة التمويل في أعقاب تعهد قدمته الدول الغنية قبل عامين بضمان 20 مليار دولار من التمويل السنوي للحفاظ على البيئة للدول النامية بحلول عام 2025، على أن يرتفع هذا المبلغ إلى 30 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. وتمثل هذه المبالغ زيادة متواضعة عن مبلغ 15.4 مليار دولار الذي خُصِّص لتمويل الحفاظ على البيئة في عام 2022، وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وافقت البلدان في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في عام 2022 على إنشاء صندوق الإطار العالمي للتنوع البيولوجي للمساعدة على تحفيز التمويل للوصول إلى أهداف الطبيعة، لكن الصندوق لم يجمع حتى الآن سوى حوالي 400 مليون دولار.