مع اختتام فعاليات الأسبوع العالمي لنزع السلاح (24-30 أكتوبر)، وفي ظل ما يشهده إقليم الشرق الأوسط من صراعات مسلحة بالغة التعقيد، من المهم استعراض رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة حيال هذا الملف، والتي يمكن القول إنها تعكس مضامين إرث وطني راسخة توجهاته نحو إرساء دعائم الاستقرار وبناء السلام، والتي سبقت فعلياً الدعوة الأممية للاحتفاء سنوياً بهذه المناسبة في عام 1978.
وفي الواقع، فإن نزع السلاح والحد من التسلح من المنظور الثقافي لدولة الإمارات يتجاوز كونه عملية للتخلص من الأسلحة التي فاقمت مستويات العنف على الصعيد الدولي، بل يتسع نطاقه ليشمل إيجاد صيغة مستدامة لإنهاء الصراعات عبر معالجة الأسباب الكامنة وراءها، وإعادة تنظيم التفاعلات الدولية وفقاً لضوابط جماعية تعزز فرص التنمية وتحول من دون تجدد دوائر التنافس والصراع.
وقد مثلت جهود دولة الإمارات في دعم المساعي الأممية لتعزيز مسار نزع السلاح وتعزيز الأمن الدولي حجر زاوية رئيساً أسهم في تحقيق اختراقات ملموسة في هذا السياق، وارتكزت الرؤية الإماراتية لإنجاح تلك المساعي على تكثيف العمل متعدد الأطراف كآلية فعالة لمعالجة حالة التراجع على صعيد التزامات الدول تجاه النظام العالمي لنزع السلاح وعدم الانتشار، خاصة مع تفاقم الصراعات الدولية في العديد من ساحات ومناطق العالم.
وشملت جهود دولة الإمارات مزيجاً متنوعاً من المسارات الرامية لتعزيز السلم والأمن الدوليين، وبينما تولي الإمارات اهتماماً مركزياً لتبني سياسات وطنية متسقة مع الاتفاقيات والصكوك الدولية ذات الصلة، تترجم القيادة الرشيدة رؤيتها عملياً في هذا الاتجاه بتدشين مسار دبلوماسي فاعل يشجع الشركاء الدوليين على الالتزام بالمقررات الدولية واتباع نهج قائم على الشفافية حيال قضايا التسلح ونزع السلاح، وخاصة في ما يتعلق بالاستخدام السلمي للطاقة النووية، والتي صارت قضية رئيسة ضمن تفاعلات منطقة الشرق الأوسط التي تموج بتحولات بالغة التعقيد.
وقد قادت دولة الإمارات جهداً دبلوماسياً معتبراً لدعم مسارات التكامل الدولي في عمليات نزع السلاح، ويؤشر لذلك دعم الدولة لمشروع التعاون بين إدارة الحد من التسلح ونزع السلاح بجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، والذي عُقدت المرحلة الثانية منه في أغسطس الماضي، وهو يمثل نطاقاً حيوياً لتضافر الجهود بين المنظمات الإقليمية والدولية لمعالجة التداعيات المتفاقمة لحالة انتشار الأسلحة بصورة غير قانونية وتعزيز مسار الحد من التسلح بين الدول الشريكة.
وفي ظل التأثيرات المُعقدة لتعثر التطبيق الجاد لتدابير نزع السلاح والحد من التسلح، واتساقاً مع إيمانها بأهمية حماية المدنيين وإعلاء القيم الإنسانية، جاء انضمام دولة الإمارات إلى مجموعة الدول الداعمة لوثيقة التعهد النمساوي بشأن الآثار الإنسانية للأسلحة النووية عام 2015 كخطوة إضافية نحو ترسيخ رؤية الإمارات بشأن أهمية نزع السلاح ومنع الانتشار النووي على الصعيد الدولي، ومثّل دور الإمارات عاملاً معززاً لفرص دعوة الدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إلى اتخاذ تدابير فعالة لسد الفجوة القانونية لحظر وإزالة الأسلحة النووية، وذلك انطلاقًا من فهم العواقب والتأثيرات السلبية والمخاطر المرتبطة بها.
إن المطالبات والدعوات الدولية لنزع السلاح وإنهاء الحروب لم تعد خياراً سياسياً يمكن التعامل معه وفقاً لأولويات وطنية تحددها حكومات العالم المختلفة، ومما لا شك فيه أن الصراعات الآخذة في التفاقم في العديد من مناطق العالم المختلفة، جعلت الاتجاه نحو نزع السلاح والحد من التسلح مطلباً رئيساً لضمان حفظ ما نمتلكه من مقومات الأمن الدولي والإنساني الآن.
من هنا، تتمسك دولة الإمارات بسياستها الراسخة التي تؤكد أن نزع السلاح والحد من التسلح ومنع الانتشار النووي يجب أن تكون قضايا عالمية تتضافر جهود المجتمع الدولي لمعالجتها بشكل جماعي، وستواصل الإمارات العمل على مد الجسور ودفع مسيرة التعاون؛ لإعلاء قيم الإنسانية وتعزيز الأمن والسلم الدوليين.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية