إننا نعيش زمن التطور التكنولوجي، الذي يحرق ويختزل الوقت بسرعة فائقة، وأصبح لدى الإنسان قدرة الوصول إلى أهدافه قياساً على الواقع الافتراضي، ما كنت تنفذه في عام يمكن الانتهاء منه في يوم.
هذا في حد ذاته يساعد الإعلاميين على تحقيق النجاح الباهر لتوفر كافة الوسائل التقنية المعينة على التنفيذ بشكل أفضل وأسهل وأدق.
الذكاء الاصطناعي، استطاع تجميع كل وسائل الإعلام المختلفة في منصة واحدة، وفي متناول الجميع وعلى مدار الوقت.
هذا التطور الهائل، جعل وسائل الإعلام التقليدية أمام تحديات جسام، وسوف نركز هنا على التحدي الأكبر بالنسبة لنا، ألا هو تحدي المحتوى.. لماذا؟
فآلة الذكاء الاصطناعي على المحك، وخاصة إذا تجاوزت قدرة الذكاء الفطري للفرد، وخاصة إذا أعطى الذكاء الاصطناعي صلاحية قيادة الذكاء الفطري للإنسان، الذي له الفضل التام في اختراع كل وسائل الذكاء الاصطناعي.
اليوم باستطاعة أفراد عاديين من غير الملمين بأبسط القواعد الأخلاقية لمهنة الإعلام نشر ما تريد في ثوان، ويصعب استدراك محتواه من قبل أي جهة رقابية في العالم.
قبل أكثر من عقد على مستوى الصحافة الورقية، على سبيل المثال، واجهت المؤسسات الإعلامية تحدي الانتقال إلى الإعلام الرقمي، وقد تم ذلك خلال العشر سنوات الماضية، ولكن على مستوى المحتوى لم يحدث تغيير مقابل المحتوى الإعلامي الفضائي المفتوح على كل الاتجاهات.
وكل ما جرى هو نقل محتوى ذات الصحافة الورقية إلى المواقع الإلكترونية، علماً بأن التنافسية في مجال الإعلام بعد هذه الخطوة، تتطلب إضافة محتوى جديد على المنصة الرقمية، يثري القارئ ويضيف إليه معلومات وخدمات إخبارية متنوعة. وهذا يعني أن المحتوى هو الأساس والمحور الرئيس للتميز في أي مرحلة من مراحل التطور التقني، فلا بد من تطويره ليصبح أكثر جاذبية للأجيال الصاعدة.
في أحد المؤتمرات صرح مسؤول إعلامي كبير من على المنصة، وهو يشير إلى جهاز «الآيفون»، بأن هذا الجهاز وحده قد ألغى أهمية التلفاز والراديو، وقلل من أهمية الصحيفة الورقية، إن لم نتدارك ذلك عبر تغيير المحتوى، وإلا قد نضطر إلى إغلاق بعض القنوات الفضائية، إن لم ترتق بالمحتوى.
سأضرب أمثلة للمحتوى الإعلامي منذ عقود مضت، ففي التلفزيون المصري في أوائل القرن العشرين، قدم برنامج فني راق بعنوان «نجمك المفضل»، كأن يستضيف العندليب في استديو يسع لألف شخص، يدور حوار جميل بين الجمهور الحاضر والنجم المتألق.
والنموذج الآخر في إذاعة «البي بي سي» البريطانية في أوائل الثمنينيات، عبر برنامج أدبي بعنوان «من القائل وما المناسبة» لقرابة ثلاثة عقود.
وفي أثناء حرب الخليج الثانية، أطلت علينا «سي. إن، إن» الأميركية، بأيقونتها «لاري كنج» ولمدة 25 عاماً، لم يترك رئيساً ولا مسؤولاً كبيراً من مختلف دول العالم في حوارات لا تمل.
وذهبت «أوبرا» في ذات النهج ولكن في الجانب الاجتماعي الذي يخدم الناس أصحاب الحاجات الضرورية من مسكن أو مركبة أو غير ذلك، أيضاً استمرت لخمسة وعشرين عاماً بلا توقف.
نتمنى على الإعلام في زمن الذكاء الاصطناعي، أن يتحفنا بشيء مما مضى بل بما هو أفضل وأجمل في المحتوى الأصيل.
*كاتب إماراتي