أظهرت التحولات الاقتصادية والجيوسياسية الدولية التي شهدناها خلال 12 شهراً مضت نقاطاً هشة في نظام الطاقة العالمي، وهددت تلك الظروف المتغيرة بإبعاد عملية الانتقال إلى مستقبل قائم على الطاقة المتجددة عن مسارها المنشود.

لكن تلك التحديات كشفت كذلك أهمية الأهداف المتمثلة في مضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة العالمية ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة مرتين بحلول عام 2030، والتي حققت إجماعاً دولياً كبيراً في «اتفاق الإمارات» التاريخي، عقب مؤتمر الأطراف الذي انعقد نهاية العام الماضي على أرضها.

وحالياً، لا زال هناك الكثير من العمل لتحقيق أهدافنا، وذلك ما يوضحه أول تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، بعد تكليفها من قبل رئاسة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف COP28 لتقييم التقدم في تحقيق هدف مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات على المستوى العالمي.
ويمثّل تقرير (آيرينا) حول الوفاء بتعهدات الدول الموقّعة على «اتفاق الإمارات»، والذي رصد التقدم الذي تم إحرازه والفجوات التي يتعين سدها، جرس تنبيه من جهة، وخارطة طريق لمجتمع العمل المناخي العالمي من جهة ثانية.
وتظهِر الأرقام أن الخطط الوطنية الحالية لا تزال في منتصف الطريق نحو تحقيق أهداف الطاقة المتجددة، مع عجز عالمي متوقع قدره 3.8 تيراواط بحلول عام 2030، ما لم نبادر الآن للعمل على المستوى الدولي لسد فجوة الطاقة.
ويوضح تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة حجم العمل المطلوب، فلتحقيق هدف 11.2 تيراواط بنهاية العقد الحالي، يتعين على العالم إضافة 1044 جيجاواط من الطاقة المتجددة كل عام، بمعدل نمو سنوي بنسبة 16.4%.
واتجاهات النمو الحالية تبيّن أننا على المسار الصحيح لتحقيق نصف هذا الهدف فقط. ورغم إضافة 473 جيجاواط جديدة عالمياً في عام 2023، والنمو القوي المستمر لحلول الطاقة الشمسية، ما زال العالم بحاجة إلى مضاعفة طاقة الرياح البرية ثلاث مرات، وزيادة طاقة الرياح البحرية ستة أضعاف، ومضاعفة القدرات المولدة من الطاقة الحرارية الأرضية 35 مرة لتحقيق الهدف.
وهناك تحدي عدم التساوي في نمو الطاقة. والفجوة بين الدول المتقدمة والنامية تواصل الاتساع، حيث تمثل آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية 85% من القدرة الإنتاجية العالمية، بينما تتراجع أفريقيا، بنسبة 1.6% فقط. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن التحول في مجال الطاقة سيترك مناطق شاسعة خلف مسار التقدم المستهدف.
والعقبات في طريق التقدم السريع واضحة، أهمها البنية الأساسية القديمة، والتمويل غير الكافي، ونقص الكوادر الماهرة، وهو ما ينتج عنه إبطاء تقدم التحول في مجال الطاقة. وهناك أيضاً تحدي سعة الشبكات، حيث تنتظر 3000 جيجاوات من الطاقة المتجددة توفر حلول التوصيل عبر الشبكة.
يضاف إلى تلك التحديات أن عمليات تصميم وصنع السياسات لا تتطور بالسرعة الكافية، وأن إجراءات تبسيط إصدار التراخيص وتحفيز بناء قدرات الطاقة المتجددة لا تزال متأخرة عن مثيلاتها في العديد من مناطق العالم.
يتطلب الوضع الراهن ووتيرة توسيع نطاق حلول الطاقة المتجددة خطوات قيادية قوية على مستوى الحكومات والمؤسسات لإزالة العقبات أمام تحديث الأطر التنظيمية، واستبعاد الحواجز التي قد تؤخر مشاريع الطاقة المتجددة.
وعلى صنّاع السياسات أن يتحركوا بشكل أسرع وأن يتخذوا خطوات جريئة دون تردد لتسريع التحوّل الذكي في مجال الطاقة وفق مجموعة ثلاثية من الحلول.
أولاً: لا بدّ من تحديث البنى الأساسية. فإلى جانب التخطيط، لا بديل عن توسيع الشبكات ورقمنتها وتجهيزها للتعامل مع سعات أكبر للطاقة المتجددة. ولا بدّ من تسريع حلول التخزين، حيث تحتاج سعة البطاريات إلى زيادة تتراوح بين أربعة إلى عشرة أضعاف بحلول عام 2030 لمواكبة التوسع في حلول الطاقة المتجددة.
ثانياً: يجب توسيع نطاق تمويل تحوّل الطاقة. ويوضح تقرير (آيرينا) الحاجة إلى الكثير من الموارد. ويحتاج العالم إلى 1.5 تريليون دولار سنوياً من الاستثمارات في الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، لكن العام الماضي مثلاً شهد استثمار 570 مليار دولار فقط. كما أن ذلك التمويل لم يتوزع بالتساوي، حيث ذهب 84% منه إلى ثلاث مناطق فقط هي الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتحتاج الاقتصادات الناشئة، وخاصة في الجنوب العالمي، إلى تسهيل الحصول على التمويل الميسّر والمنح، لتمويل تحوّل الطاقة الخاص بها، حتى لا يظل التحوّل غير متساوٍ، ويصبح هدف 1.5 درجة مئوية أبعد.
ثالثاً: علينا تأهيل الكوادر البشرية القادرة على دعم هذا التحول في مجال الطاقة، الذي سيوفر ملايين الوظائف، إذا استثمرنا في التعليم والتدريب. ويتعين على الدول أن تعطي الأولوية لرفع مهارات القوى العاملة وإعادة تأهيلها، وتطوير الخبرات الفنية، وتمكين جيل المستقبل المؤهل من قادة قطاع الطاقة، حتى لا يكون الافتقار إلى القوى العاملة الماهرة عقبة أمام التقدم.

إن السنوات الست المقبلة حاسمة. والقرارات التي نتخذها اليوم سوف تحدد ما إذا كنا سنحقق أهداف اتفاق الإمارات التاريخي، أو سنتأخر عن ترجمة رسالتنا المتمثلة في توفير مستقبل مرن مناخياً يضمن أمن الطاقة.

لدينا خريطة طريق واضحة، لكن حان الوقت لتسريع العمل. ومع توجّه العالم نحو مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين «كوب29» في أذربيجان، لا مجال للتردد. فنحن بحاجة إلى خطوات قيادية جريئة، وتحرك سريع، والتزام راسخ من كل الأطراف حول العالم.

وبإمكان الحكومات أن تكون قدوة، في رفع سقف الطموحات، ووضع الطاقة المتجددة في صلب السياسات، وتنسيق الخطط لمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات. وعلى مجتمع العمل المناخي العالمي أن يتّحد، وأن يدعم الفئات الأكثر عرضةً للتغير المناخي، وأن يسهم في عدم تأخّر أي بلد عن المسار المطلوب.

نعلم ما علينا فعله، ومسارنا واضح. والفرصة ما زالت في متناول عالمنا، لكنها قد تبتعد إذا لم نتحرك جميعاً الآن. مستقبل كوكبنا يعتمد على جهودنا المشتركة دون تردد أو انتظار.
* المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)