ها هو يفعلها مرة أخرى: باراك أوباما يعيد تنصيب نفسه كبير موبِّخي الرجال السود. والحال أن انتقاده الأخير خاطئٌ جملةً وتفصيلاً في جوهره، لكن تلك ليست المشكلة الرئيسية، بل المشكلة الرئيسية هي أن ما يقوم به أوباما قد يأتي بنتائج عكسية، لأن إهانة الرجال السود طريقة غريبة لمحاولة كسب أصواتهم. ففي كلمة أدلى بها مؤخراً في مكتب ميداني لحملة هاريس في بيتسبرغ (ولاية بنسلفانيا)، قال الرئيس الأميركي السابق للعاملين هناك، ومعظمهم من السود، إنه يريد «قول الحقيقة» بشأن الأسباب التي تجعل «جميع أحيائنا ومجتمعاتنا» لا تبدي لكمالا هاريس القدرَ نفسَه من الحماس الذي أبدته لترشحه التاريخي. وذكر أوباما أن المشكلة «تبدو أكثر وضوحاً مع الإخوة (السود).. الذين يختلقون كل أنواع الأسباب والأعذار». وقدّم نظرية تقول: «إن كل ما هناك أنكم لا لستم متحمسين لفكرة امرأة كرئيسة».
والحال أنه وفقاً لاستطلاع رأي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، فإن 70% من الرجال السود يخططون للتصويت لهاريس. صحيح أن أوباما فاز بنسبة من أصواتهم تَفُوق هذه، لكن كذلك كان الحال أيضاً بالنسبة لهيلاري كلينتون. ولئن كان التحيز ضد المرأة هو السبب في عدم دعم بعض الرجال لهاريس، فإن الرجال البيض واللاتينيين أكثر تحيزاً بكثير من الرجال السود. فلدى هاتين المجموعتين، حصلت هاريس على نسبة 35% و55% على التوالي.
لكن لا تتوقع من الرئيس الأميركي السابق أن يشير بأصبعه نحوهم أيضاً. فانتقاده للرجال الأميركيين من أصل أفريقي سمةٌ تميّز أوباما. في أثناء حملته الانتخابية في عام 2007، مثلاً، سخر من أخلاقيات العمل عند الأميركيين السود. وفي وقت مبكر من رئاسته، قال أمام كنيسة للسود إن «الكثير» من الآباء السود يتخلون عن مسؤولياتهم، «ويتصرفون كالصبية وليس كالرجال». وفي خطاب التخرج في عام 2013 في كلية «مورهاوس»، قال أوباما للخريجين الذكور السود: «لا وقت لدينا للأعذار، فلا أحد يكترث إن كنتم قد عانيتم بعضَ التمييز».
والفكرة نفسها ظهرت من جديد في مكتب حملة هاريس الانتخابية، حينما ردّ رجلٌ من الجمهور على قول أوباما إن الرجال السود قد يحجمون عن المشاركة في الانتخابات إذ قال: «إنني لا أنوي فعل ذلك»، فكان رد أوباما عليه: «أتعلم، إن ابن العم الآخر قد يفعلها».
إن الرجل الأسود يستحق الجهد نفسه على صوته، على غرار أي أميركي آخر. فمن الصعب تخيل التقليل من شأن أي مجموعة عرقية أخرى غير الرجال السود في محاولة لكسب تأييدها. فحالياً، تنخرط هاريس في حملة نشطة للحصول على أصوات البولنديين في بنسلفانيا، والأصوات اللاتينية في نيفادا وأريزونا. وسيكون من سوء التصرف السياسي أن يشير أعضاء من حملتها إلى أن التحيز هو السبب في إحجام البعض في تلك المجموعات عن دعمها. وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فتلك ليست الطريقة المناسبة لكسب أصواتهم.
ولكن نظراً لأن الرجال السود غالباً ما يُنظر إليهم من خلال ما يصفه الباحثون بـ «العدسة المعطوبة»، فإن نقد أوباما يمكن أن يُفهم على غير ما قد يفهم به لو كان الأمر يتعلق بمجموعات أخرى.
ثم إن لوم أوباما للرجال السود قد يكون له تأثير سلبي، ألا وهو: تعزيز تفكير أولئك الذين يفكرون في التصويت لدونالد ترامب أو البقاء في منازلهم يوم الانتخابات. وعلاوة على ذلك، فإن رسالته تذكّر بسياسات العدالة العرقية، أو بالأحرى عدم وجودها، في فترة رئاسته، وبالتالي فإنها قد تخفّض التوقعات بشأن ما يمكن للأميركيين الأفارقة توقعه من الشخص الذي يسعى لأن يصبح ثاني رئيس أسود.
والواقع أن فلسفة العدالة العرقية لدى أوباما لا تركز على العرق أو القضايا العرقية، إذ خلال فترة رئاسته الأولى تعرض أوباما للتوبيخ من قبل «تجمع السود في الكونجرس»، لعدم بذله جهوداً أكبر من أجل مكافحة البطالة بين السود.. فكان ردّه: «لا يمكنني تمرير قوانين تقول إنني أساعد السود فقط، فأنا رئيس الولايات المتحدة». وتتمثل فكرة أوباما في أنه إذا قام بتحسين الاقتصاد وتوسيع الرعاية الصحية، فإن الأميركيين الأفارقة سيستفيدون بشكل غير متناسب. والحال أن مقاربة «المد المرتفع يرفع جميع القوارب» لا تفيد سوى أولئك الذين يملكون قوارب.
جاذبية ترامب المحدودة للرجال السود تتعلق بما إن كانت حيواتهم اليومية وظروفهم المعيشية أفضل حينما يكون «الديمقراطيون» في السلطة. وبالنسبة للبعض منهم، فإن الإجابة هي: لا. ومع ذلك، فإن هاريس لديها القدرة على أن تكون استباقية أكثر بكثير من الرئيس أوباما فيما يتعلق بالعرق، إن فازت بالرئاسة. وفي هذا السياق، أشار الرئيس الأميركي السابق، في مكتب حملة هاريس الانتخابية، إلى الاختلافات بينهما، فقال إن على الرجال السود أن يقدّروا أن هاريس «نشأت مثلكم، وتعرفكم، وذهبت إلى الجامعة معكم، وتفهم المعاناة والألم والفرح الذي يأتي من تلك التجارب». ولا شك في أن هذا النوع من الرسائل أكثر فاعليةً بكثير من اتهام أقلية الرجال السود الذين ليسوا من مؤيدي هاريس بالتحيز ضد المرأة.
وبالنسبة لجو بايدن، الذي واجه صعوباتٍ جمةً في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2020، فقد أدرك أنه بحاجة إلى أصوات النساء السود للفوز في ولاية كارولينا الجنوبية التي لا بد من الفوز فيها. لكن استراتيجيته لم تكن إلقاء المحاضرات عليهن حول أوجه القصور المتصوَّرة لديهن، وإنما وعد بتعيين أول امرأة سوداء في المحكمة العليا الأميركية في حال انتخابه.
هذا الأسبوع ستتحدث هاريس في قاعة بلدية في ديترويت برعاية «ذا بريكفاست كْلاب»، وهو برنامج إذاعي يحظى بشعبية بين الشباب السود. وهي فرصة مهمة لنائبة الرئيس لتنأى بنفسها قليلاً عن خطاب أوباما حول الرجال السود، ولتُميز نفسها ضمنياً عن الرئيس الأميركي السابق فيما يتعلق بالعرق. لكن المهمة السياسية - والأخلاقية - لحملتها الانتخابية هي أن تُظهر للرجال السود الاحترامَ نفسَه الذي تبديه لجميع الناخبين الآخرين.
بول باتلر
أكاديمي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»