بعد الإعلان الأخير، هل سنقيم استعراضاً للاحتفال بيوم النصر على التضخم؟ لا أعتقد، ولكن يبدو أننا نجحنا. ذلك أن المقياس المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي»، أسعار المستهلك، لم يرتفع سوى بـ 2.2 في المئة خلال العام الماضي، أي بفارق طفيف جداً عن معدل التضخم الذي يستهدفه «الاحتياطي الفيدرالي» والمتمثل في 2 في المئة. ثم إننا حققنا ذلك من دون حدوث الركود الذي تنبأ به عدد غير قليل من الاقتصاديين – لا بل إن الاقتصاد الأميركي نما بنسبة 6 في المئة خلال العامين الماضيين، حتى مع انخفاض التضخم. غير أن هذا الانتصار يمكن أن يتبدد. ومن المرجح جداً أن يتبدد في حال فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. صحيح أننا لا نعرف بالضبط ما الذي سيفعله ترامب إذا أصبح رئيساً.
فعندما يُسأل بشأن قضايا السياسات، بما في ذلك تلك المباشرة جداً، فإنه غالباً ما يفقد تركيزه بطريقة ما كانت لتفلت بسببها كمالا هاريس وجو بايدن من الانتقاد. غير أنه من المعروف أن ترامب يدفع باستمرار في اتجاه فرض ضرائب أعلى على الواردات - وهو أمر سينعكس على المستهلكين في نهاية المطاف، على عكس ادعاءاته - والترحيل الجماعي للعمال المهاجرين الذي يقيمون في البلاد بشكل غير قانوني، وإنهاء استقلالية «الاحتياطي الفيدرالي»، وكلها أمور من شأنها أن ترفع التضخم.
وقد وجد استطلاع رأي أجرته مؤخراً صحيفة «فاينانشيال تايمز» وكلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو أن 70 في المئة من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع رأوا أن سياسات ترامب ستكون تضخمية أكثر من سياسات هاريس، بينما رأى 3 في المئة منهم فقط العكس. إلى أي مدى ستكون سياسات ترامب الاقتصادية تضخمية؟ دراسةٌ جديدة صادرة عن «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» تحاول وضع أرقام للتأثير المحتمل، وتقدِّر أنه اعتماداً على مدى تطبيق سياسات ترامب بخصوص الرسوم الجمركية و«الاحتياطي الفيدرالي» والهجرة على وجه الخصوص، فإنها سترفع التضخم بما بين 4 و7 نقاط مئوية فوق خط الأساس، أي أن التضخم سيتراوح بين 6 في المئة و9 في المئة. هل يجب أن نصدِّق هذه الأرقام؟
ما أقصده أن العديد من الاقتصاديين يتفقون الآن مع التحليل الذي صدر عن رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في أغسطس، والذي عزا فيه الكثير من الارتفاع في التضخم إلى الآثار الجانبية للجائحة. ذلك أن مخاوف الصحة العامة أدت إلى انخفاض كبير في القوى العاملة، وإن كان مؤقتاً، الأمر الذي تسبب بدوره في نقص كبير في العمالة، حيث تجاوزت فرصُ العمل الشاغرة عددَ الأشخاص الذين يبحثون عن عمل. كما أدى التحول المفاجئ من الطلب على الخدمات إلى الطلب على السلع إلى ضغط كبير على سلاسل التوريد يفوق طاقتها - هل تتذكر كل سفن الشحن تلك التي كانت تبحر جيئة وذهاباً قبالة الساحل في انتظار فرصة لتفريغ حمولتها؟ - ما أدى إلى نقص في العديد من السلع وارتفاع الأسعار. ولم ينخفض التضخم إلا بعد أن خفّت حدة هذه الاضطرابات. والآن تأمل ما يفكر فيه ترامب. فتوقيف ملايين العمال المولودين في الخارج سيؤدي إلى انخفاضٍ فوري وكبير في المعروض من العمالة. والرسوم الجمركية ستؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة مثلما ارتفعت تكاليف الشحن وعدم كفاية سعة الموانئ في 2021-2022. ولهذا يمكنك القول إن سياسات ترامب الاقتصادية ستكون وبالاً على الاقتصاد.
وشخصياً، أنا لم أعارض رفع «الاحتياطي الفيدرالي» لأسعار الفائدة، رغم اعتقادي بأن التضخم كان سببه الرئيسي هو الجائحة، وذلك لأنني أؤمن بأهمية الحفاظ على استقرار التوقعات. كما أن إدارة بايدن لم تمارس ضغوطاً على «الاحتياطي الفيدرالي» لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، رغم أن نقص السيولة يمكن أن تتسبب في ركود مضر سياسياً. ولكن، هل تظن أن ترامب سيبدي ضبطاً مماثلاً للنفس في حال رفع «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة لمكافحة التضخم الذي قد تتسبب فيه سياساته؟
لا أعتقد ذلك. ثم إن احتمال أن يقوم ترامب بتسييس السياسة النقدية يعني أن التضخم الترامبي قد يترسخ بسهولة بطريقة لم يترسخ بها تضخم كوفيد 19، ما قد يؤدي إلى ركود تضخمي طويل الامد. خلاصة القول إن العديد من الناخبين ما زالوا يعتقدون أن ترامب سيبلي بلاء أفضل من هاريس في الاقتصاد، رغم أن تفوقه في موضوع التضخم قد تلاشى إلى حد كبير. غير أن الأشخاص الذين اطلعوا على أفكاره يعتقدون أن مأزق التضخم ربما يزداد في حال فوزه.
*كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»