تواجه الحكومة السريلانكية الجديدة مهمة صعبة في وقت تسعى فيه إلى إبقاء البلاد على طريق الانتعاش الاقتصادي الذي تسير فيه حالياً، مع الوفاء في الوقت نفسه بوعدها الانتخابي بتخفيف العبء عن الشعب. وقد انتُخب الرئيس الجديد، أنورا كومارا ديساناياكي، ليصبح الرئيسَ العاشر للبلاد، في الانتخابات التي أجريت عقب انهيار اقتصاد البلاد في عام 2022.
ديساناياكي، وهو سياسي ذو ميول يسارية، جاء إلى السلطة على خلفية استياء شعبي واسع النطاق، إذ على الرغم من الانتعاش الاقتصادي الحالي في سريلانكا، إلا أن إجراءات التقشف تؤثّر على الحياة المعيشية. وأول ما قام به الرئيس الجديد كان مواصلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وفي أول اجتماع بين الجانبين، قالت الحكومة السريلانكية إنها ملتزمة بحزمة الإنقاذ البالغة 2.9 مليار دولار التي تفاوض عليها النظام السابق. لكن الرئيس الجديد يسعى إلى إعادة التفاوض حول بعض البنود. وتتعلق هذه المفاوضات بالدفعة الرابعة من حزمة الإنقاذ، إذ جعل صندوق النقد الإفراج عن الأموال مرهوناً بإعادة هيكلة الدَّين الخارجي. وقد حصلت سريلانكا بالفعل على 3 دفعات تبلغ قيمة كل واحدة منها حوالي 360 مليون دولار.
ولئن كانت خطة الإنقاذ قد ساعدت في وضع سريلانكا على طريق الانتعاش الاقتصادي، فإنها جاءت مقرونةً ببعض التدابير التقشفية الصارمة. إذ تشمل الأجزاء الرئيسية من برنامج الإنقاذ فرضَ حظر على طباعة النقود، بالإضافة إلى تحديد أهداف للإيرادات والإنفاق، وكلها أمور وافقت عليها الحكومة السابقة. وكان الرئيس السابق رانيل ويكريميسينغي، الذي مني بهزيمة ساحقة في الانتخابات، قد قام في إطار تدابير التقشف برفع الضرائب وزيادة تعريفات الكهرباء، كما خفَّض الإنفاقَ على الرواتب وبرامج الوجبات المدرسية. وبالتالي، فلا غرو أن مستويات الفقر قد تضاعفت في ظل ارتفاع التضخم والبطالة وركود الدخل.
وفي عام 2022، تخلّفت سريلانكا عن تسديد ديون خارجية بقيمة 46 مليار دولار أميركي بعد أن نفدت احتياطاتها من النقد الأجنبي. وجاءت الأزمة المالية الأشد على الإطلاق على خلفية تأثير جائحة «كوفيد ـ 19» التي أثّرت على السياحة، التي تُعد مصدراً رئيسياً لاحتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. إذ تسببت الجائحة في إغلاق الحدود ووقف حركة السفر على مدى جزء مهم من ذلك العام، ثم أعقبها عام ثان من الاضطرابات. غير أن الجائحة زادت من حدة الأزمة الاقتصادية والسياسية المزمنة، والتي فاقمها قرار حكومي يقضي بتحويل البلاد بين عشية وضحاها إلى الزراعة العضوية، وهو ما كان له تأثير سلبي فوري على الزراعة، إذ انخفضت المحاصيل الزراعية، وزادت المخاوف الغذائية في وقت كان فيه التضخم في ارتفاع أصلاً.
وحينما اندلعت الحرب الأوكرانية لاحقاً، تسبب ذلك في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، مما أدى إلى دخول البلد الواقع بجنوب آسيا دوامةَ هبوط اقتصادي أصبح الخروج منها صعباً للغاية. كما انخفضت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وعجزت الحكومة عن استيراد المواد الضرورية بما في ذلك الوقود. وفي أبريل 2022، أعلنت سريلانكا أنها ستتخلف عن تسديد قروضها الخارجية «كملاذ أخير».
وكان من تداعيات ذلك أن أصبح الناس مضطرين للوقوف في طوابير طويلة من أجل الحصول على المواد الضرورية وسط نقص في الوقود والغاز والمواد الغذائية والأدوية، وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة. ودفعت الأزمة الناسَ للخروج نحو الشوارع للاحتجاج، ثم تحولت المظاهرات إلى انتفاضة أفضت في الأخير إلى الإطاحة بغوتابايا راجاباكسا من الرئاسة. وبعد الإطاحة به، انتُخب رانيل ويكريميسينغي على رأس السلطة في تصويت برلماني، فبدأ التفاوض على حزمة إنقاذ للبلاد.
والسؤال الآن هو ما إن كان بوسع الرئيس الحالي، ديساناياكي إعادة التفاوض على أي شروط وتخفيف إجراءات التقشف. غير أن كل المؤشرات تشير إلى أن صندوق النقد الدولي قد لا يخفف من التدابير حتى لا يعرِّض للخطر الانتعاشَ الاقتصادي الذي حققته سريلانكا بشق الأنفس، لأن «جهود الإصلاح أخذت تؤتي ثمارَها من حيث إنعاش النمو الاقتصادي، وخفض التضخم، وتعزيز الاحتياطيات، وتحسين تعبئة الإيرادات»، كما يقول الصندوق.
وفي الوقت نفسه، يتعين على الرئيس الجديد أن يوازن بين الهند والصين في إطار رؤيته للسياسة الخارجية. وكان قد وصف في مقابلة معه كلاً من البلدين بـ«الصديقين العزيزين»، مؤكداً أن سريلانكا «لن تكون جزءاً من ذلك الصراع الجيوسياسي، ولن تنحاز إلى أي طرف». 
العلاقات بين الهند وسريلانكا، والتي شهدت مداًّ وجزراً، تعززت بعد أن هبّت الهند لمساعدة هذه الدولة الجزيرة خلال أزمتها الاقتصادية عام 2022، حيث قدّمت لها مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار العام الماضي، ولعبت دوراً نشطاً في مساعدتها خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أول شخصية أجنبية بارزة زارت سريلانكا بعد تولي ديسناياكي السلطةَ هي وزير الخارجية الهندي الدكتور جايشانكار، الذي التقى بكل من الرئيس الجديد ورئيسة الوزراء هاريني أماراسوريا، ودعا الرئيسَ باسم رئيس الوزراء ناريندرا مودي لزيارة الهند في موعد مناسب للطرفين. غير أنه من الواضح أن الرئيس السريلانكي مشغول في الفترة المقبلة.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي