الحكمة السائدة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي أنه سيحل محل الكثير من الوظائف المهنية. لكن الرأي الأكثر دقة هو أنه سيؤدي إلى إلغاء الكثير من الوظائف على مستوى المبتدئين.لقد تحدثت مع العديد من الشركات خلال الأشهر القليلة الماضية حول كيفية استخدامهم لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الجديدة من شركات مثل مايكروسوفت، و«أوبن إيه آي»، وجوجل التابعة لشركة «الفابت». وكان هناك نمط مشترك يتمثل في أتمتة الأعمال الروتينية - من النوع الذي يُعطى للموظفين الجدد، مثل إجراء أبحاث السوق أو كتابة التقارير. قد يبدو هذا منطقياً، ولكن كما هو الحال في كل ثورة تكنولوجية، سيكون هناك ثمن يجب دفعه، وهو الثمن الذي سيتعين على الشركات والخريجين دفعه حيث يرفع الذكاء الاصطناعي معايير بدء الحياة المهنية.

أحد الأمثلة على هذا الاتجاه يأتي من شركة «مان جروب» Man Group Plc. فقد كانت شركة صناديق التحوط البريطانية تستخدم نموذجاً لغوياً كبيرا لتوليد فقرات موجزة من كميات ضخمة من البيانات السوقية غير المهيكلة من مصادر خارجية، والتي يتم تقديمها لمديري محافظها. عادة ما يتم تنفيذ هذا العمل يدوياً من قبل المحللين المبتدئين. يقول «تيم ميس»، المدير الإداري للشركة لقسم البيانات والتعلم الآلي في الشركة: «الآن يمكنهم العمل على أشياء ذات قيمة أعلى».ويحدث الشيء نفسه في بعض أكبر بنوك وول ستريت، التي بدأت بتجربة أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على الإجابة الفورية عن الأسئلة المتعلقة بالشركات التي يتم تداول أسهمها علناً، أو إنشاء تقارير وعروض تقديمية من صفحة واحدة، وهي الأعمال التي عادةً ما يقوم بها المحللون الجدد الذين بدأوا للتو في السلم الوظيفي لبنوك الاستثمار.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في أبريل، فإن المسؤولين التنفيذيين في بنوك مثل جولدمان ساكس ومورجان ستانلي وغيرهما كانوا يناقشون مدى عمق التخفيضات التي يمكنهم إجراؤها على صفوف المحللين الجدد.في دراسة استقصائية أجراها معهد السياسة العامة في المملكة المتحدة هذا العام، وجد أن العمل المكتبي على مستوى منخفض لديه فرصة أعلى بنسبة 16% لأن يحل محله الذكاء الاصطناعي مقارنة بالوظائف التي يشغلها كبار الموظفين. وقال التقرير: «بالنسبة لوظيفة معينة، تكون المناصب المبتدئة أكثر عرضة للخطر من تلك التي يشغلها المهنيون الأكثر خبرة». لذلك ليس من المستغرب أن تكون النصيحة المتكررة لاعتماد برنامج «تشات جي بي تي» ChatGPT هي معاملته «مثل المتدرب».

ولكن ما الذي يحدث عندما تقوم الشركات بأتمتة الأدوار على مستوى الموظفين المبتدئين؟ أحد النتائج هو خفض التكاليف، ولكن قد يكون هناك مقابل. يمكن أن تكون الأعمال الروتينية طريقا قيما لتعلم الحيل المهنية وبناء الحدس المطلوب في دور أكثر أهمية.

بالطبع، قد يكون من الممل لمحلل مبتدئ في بنك استثماري إنشاء جدول إكسل يتألف من 20 صفحة حول سهم معين، أو إعداد عرض تقديمي يحتوي على 50 شريحة حول صفقة محتملة، لكن هذه العملية يمكن أن تساعدهم في تطوير فهم أفضل لتقييم الشركات. ما يُنظر إليه على أنه طقوس تأهيلية في بعض الصناعات، وأعمال منخفضة القيمة، يمكن أن يكون مفيدا في تدريب الجيل القادم من كبار المديرين.إن هذا يشكل تحديا غير مريح لخريجي الكليات الذين يستهدفون مهن مثل القانون والخدمات المصرفية في السنوات القادمة.

وتذهب صحيفة نيويورك تايمز إلى حد القول إن البنوك الاستثمارية «ستقضي على الحاجة إلى توظيف الآلاف من خريجي الكليات الجدد». وإذا كان أصحاب العمل في المستقبل يتوقعون من الموظفين الشباب القيام بأعمال ذات مستوى أعلى، فسيحتاج هؤلاء الخريجون إلى إظهار امتلاكهم لهذه المهارات ذات المستوى الأعلى.

وعلى مدى العقد أو العقدين المقبلين، قد يؤدي هذا حتى إلى إعادة التفكير في كيفية إعداد التعليم العالي للشباب لدخول قوة العمل حيث لم يعودوا يؤدون وظيفة المتدربين ولكنهم يديرون الآلات التي تقوم بتلك الأعمال.يتعين على الشركات أن تضع في اعتبارها كيفية تعريف العمل «منخفض القيمة» الذي أصبح فجأة ناضجا للأتمتة. قد يكون أكثر قيمة مما يعتقدون.

بارمي أولسون*
كاتبة أميركية متخصصة في التكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»