في خضم الأوضاع التي يشهدها قطاع غزة مُنذ اندلاع التصعيد العام الماضي، كان دور دولة الإمارات العربية المتحدة جليّاً في تخفيف المعاناة الإنسانية وتقديم الدعم الإغاثي للمدنيين العزل داخل القطاع، إذ بادرت الدولة إلى رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، من خلال إطلاق سلسلة مبادرات إنسانية ضمن عملية «الفارس الشهم 3» بتوجيه من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والتي تهدف إلى إغاثة سكان القطاع وتخفيف آلامهم من خلال توفير الدعم الطبي العاجل للمرضى والمصابين والإسهام في تقديم الخدمات والاحتياجات الأساسية كافة.

ومُنذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة بقطاع غزة، سعت دولة الإمارات عبر اتصالاتها وحراكها الإنساني والدبلوماسي المُكثّف على الصعيدَيْن الإقليمي والدولي لإطلاق مبادرات إنسانية متتالية تحاول عبرها إغاثة المدنيين وتوفير الطعام وخيام الإيواء والمستلزمات الأساسية لهم في ظل الأوضاع الكارثية التي خيَّمت عليهم. إن حصر الجهود الإنسانية الإماراتية في غزة، يكشف عن مسيرة عطاء ثرية ومتواصلة تمتد فصولها لنحو نصف قرن من الزمان.

وليس من المُستغرب أن تحتل الإمارات صدارة دول العالم الداعمة لغزة بشكل خاص والعمل الإنساني بشكل عام، في مسار تُوثقه الحقائق على الأرض وتؤكده لغة الأرقام، التي تبرز الجهود الاستثنائية للإمارات، منذ 7 أكتوبر 2023، في دعم الأشقاء الفلسطينيين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تقديم ما يزيد على 40 ألف طن من المساعدات العاجلة، وإقامة 6 محطات لتحلية المياه يستفيد منها نحو 600 ألف شخص يومياً. هذا بالإضافة إلى افتتاح مستشفى ميداني داخل القطاع بطاقة أكثر من 200 سرير ومستشفى عائم آخر في مدينة العريش المصرية بطاقة 100 سرير، وإطلاق حملة تطعيم طارئة، في خطوة استراتيجية لحماية أكثر من 640 ألف طفل من خطر شلل الأطفال.

ومما لا شك فيه أن هذا العطاء الإنساني المُتجدد يستند إلى ثوابت راسخة، انطلاقاً من مقولة الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي أكد مُنذ تأسيس الدولة أن «دعمنا للشعب الفلسطيني سيستمر حتى يحقق هذا الشعب طموحه في إقامة دولته المستقلة»، لتصبح هذه الكلمات أقرب إلى ميثاق ونهج لدولة الإمارات وسياستها الثابتة، يلتزم كل الالتزام بدعم القضية الفلسطينية والشعب والفلسطيني وحقه المشروع في قيام دولته المستقلة.

وفي الواقع، فإن احتلال القضية الفلسطينية موقعاً مركزياً في السياسة الخارجية لدولة الإمارات واقع تُجسده المبادرات السياسية والإنسانية التي تقودها الدولة لرفع المعاناة عن أهل غزة وتخفيف آلامهم، فضلاً عن تأكيدها بشكل مستمر أن تحقيق الاستقرار في المنطقة وفتح آفاق التعاون بين دولها، يتطلبان إيجاد حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، يعطي الشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره، بما في ذلك الحق في أن تكون له دولته المستقلة، وهو أمر أكدته مجدداً تدوينة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، تجنباً لأي محاولة للالتفاف على الرؤية الإماراتية لتحقيق السلام العادل والمستدام أو اقتطاعها من سياقها، وهي أن «الإمارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون قيام دولة فلسطينية». وهذه الرسالة تُجسد تماماً نهج دولة الإمارات وقيادتها والتزامها التاريخي بدعم الشعب الفلسطيني.

هذا العطاء الإنساني غير المشروط، ليس بجديد، وإنّما هو إرث تاريخي وحضاري عميق ينطلق من قيم ومبادئ إماراتية راسخة، تستند في جوهرها إلى التزام إنساني وأخلاقي تتمسك به دولة الإمارات منذ تأسيسها، وحرص على دعم الأشقاء العرب والقضايا العربية بكل الوسائل، ورؤية قيادية حصيفة أخذت على عاتقها مسؤولية تقديم المساعدات الإغاثية إلى الشعب الفلسطيني في غزة، بالتوازي مع حراكها الدبلوماسي المُكثف للتوصُّل إلى وقف مُستدام لإطلاق النار في القطاع، بما يمهد الطريق لدفع مسار سياسي موثوق به نحو السلام ينتهي بحل الدولتين.

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.