يحتفل العالَمُ باليوم العالمي للسلام في 21 سبتمبر من كل عام، وهو يوم خصصته الأمم المتحدة لتعزيز السلام ونشر ثقافة اللاعنف بين الدول والشعوب. وقد تم الاحتفال مؤخراً بهذا اليوم تحت شعار «زرع ثقافة السلام»، مما يعكس أهميةَ بناء الحوار والتفاهم بين الأجيال والمجتمعات المختلفة، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة في مناطق عدة من العالم.
ويتزامن الاحتفال باليوم العالمي للسلام مع توترات وبوادر اشتعال حروب جديدة في الشرق الأوسط، وهي مفارقة تُبرز التناقضَ بين الدعوات العالمية للسلام والواقع القاسي الذي يعيشه ملايين الأشخاص في مناطق النزاع بعدة أنحاء من المعمورة. وفي الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة لنشر ثقافة السلام والحوار، نجد أن الحروب وأعمال العنف لا تزال سمة سائدة في العديد من مناطق العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وهذه المفارقة تطرح سؤالاً ملحاً: كيف يمكن الحديث عن السلام في ظل تصاعد احتمالات الحروب واحتدام النزاعات؟
السلام لا يعني غيابَ الحرب فقط، بل هو عملية بناء مستمرة تتطلب جهداً جماعياً جاداً وإرادة سياسية صادقة لتفعيلها وتحقيقها. ومن الضروري أن يتجاوز المجتمعُ الدولي الحديثَ عن السلام الرمزي كحالة نظرية، وأن يسعى لتحقيق السلام بشكل عملي ومستدام وقابل للاستمرار.
ويلعب التعليم السليم والصحي، كمنظومة متكاملة، دوراً محورياً في نشر ثقافة السلام، فمن خلال تعليم الأجيال الصاعدة قيمَ التسامح والتفاهم، يمكن بناء مجتمع يرفض العنف ويؤمن بالحلول السلمية. والتعليم هنا لا يقتصر على المدارس فقط، بل يشمل المبادرات المجتمعية والإعلامية التي تساهم في نشر الوعي بأهمية التعايش واحترام الآخر.
وبالإضافة إلى التحديات السياسية والعسكرية التي تواجه السلام، تأتي أسباب النزاعات عنصراً أساسياً تجب مناقشته، فمنطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، تعاني تراكمات تاريخية معقدة تشمل الانقسامات الدينية والعرقية، إلى جانب التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد. هذه العوامل مجتمعةً تخلق بيئةً غير مستقرة يصعب فيها تحقيق السلام الدائم. وعلينا إدراك أن الحلول السطحية لا تكفي في هذا المجال، بل يجب وضع حلول جادة تتناول القضايا الجذرية مثل الفقر، والبطالة، والتفاوت الاجتماعي.. إلخ، إذ تُعدّ هذه المشكلات وقوداً سريعَ الاشتعال لاستمرار النزاعات.
وإلى جانب التدخلات السياسية، علينا ألا ننسى التأثيرات الإنسانية للحروب، فملايين الأبرياء يتحملون وطأةَ هذه الصراعات، حيث تتسبب الحروب في نزوح السكان، وفي تدمير البنية التحتية، وفي خلق أزمات إنسانية تصعب معالجتها على المدى القصير.. وهي كلفة ثقيلة وذات تأثير ممتد من شأنه أن يخلق بذورَ نزاعات جديدة.
ورغم كل التحديات، يبقى الأمل قائماً في مستقبل أفضل، وهو أمل يكمن في قدرة الشعوب والقادة على تجاوز الأحقاد القديمة، وبناء عالم أكثر استقراراً وأمناً.
السلام ليس مجرد فكرة طوباوية بعيدة التحقق، بل هو هدف يمكن تحقيقه عبر التعليم، وتعزيز قيم التسامح، والتعاون بين الدول.. وإذا تمكنا مِن بناء جيل جديد يتبنّى ثقافةَ الحوار واللاعنف، فإن تحقيق السلام الدائم سيكون ممكناً.