من المتوقع أن تنقل الاستخدامات التقنية المتطورة والسريعة للذكاء الاصطناعي في كل المجالات البشرية إلى عصر جديد مختلف تماماً عن ما مرت به من قبل، حيث سيتيح هذا التوجه للدول والمؤسسات والأفراد استخداماتٍ متعددةً، بعضها خطير وستترتب عليه تداعيات اقتصادية واجتماعية وإنسانية معقدة وتتطلب التعامل معها من خلال أنظمة وتشريعات بدأت بعضُ الدول التحضيرَ لها.
وفي هذا الصدد، سنتناول بعض التحديات الاقتصادية التي سيتمخض عنها الذكاء الاصطناعي، خصوصاً بعد أن تجاوزت أسعار أسهم الشركات العاملة في هذا المجال كل التوقعات لتبلغ قيماً مبالغاً فيها، مما يذكرنا بفقاعة «الدوت كوم» في بداية الألفية الحالية والتي كبّدت الكثيرَ من الشركات والأفراد خسائرَ جسيمةً.
وحتى الآن، فإن معظم الكتابات والتحليلات تتناول أساساً الجانبَ الإيجابي لهذا التحول ودور الذكاء الاصطناعي فيه، وهذا أمر لا خلاف عليه، خصوصاً وأنه سيساهم في التقدم العلمي وتجاوز البشرية للكثير من الصعوبات ووضع حلول لها، بما في ذلك معالجة الأمراض الخطيرة والتنبؤ بالكوارث وتطور الخدمات وتحسين نوعية المنتجات.
ومن بين أمور أخرى، فإنه خلال عقد من الزمن ستتوسع استخدامات الذكاء الاصطناعي بصورة مؤثرة، مما سيؤدي إلى المزيد من استخدام الربوتات والآلات الذكية وإحلالها محلَّ البشر، وبالأخص من قِبل الشركات الكبيرة التي تملك أمكانيات وطاقات مالية وتكنولوجية متقدمة، وهو ما سيؤدي إلى إفلاس آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة حول العالم وإلى فقدان ملايين الأشخاص وظائفَهم وارتفاع نِسب البطالة.
وستتعامل مختلف الدول بصورة متفاوتة مع هذا التحول، فالبلدان الغنية ستقدم إعانات لمواطنيها لتمكينهم من التأقلم وتلبية احتياجاتهم الأساسية، أما البلدان الفقيرة والأقل نمواً فسوف يعاني السكان فيها من صعوبة في تلبية هذه الاحتياجات، مما سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، علماً بأنها تعاني زيادةً مفرطةً في أعداد السكان ومحدودية الموارد.
وفي كلا الحالتين، فإن القدرةَ الشرائية، سواء في الدول الغنية أو الفقيرة ستتأثر وسينجم عنها بعض التراجع في حجم الطلب على مختلف السلع والخدمات، وبالتالي انخفاض في حجم الإنتاج، وتراجع مستويات المعيشة وانضمام المزيد من الشركات والمؤسسات لقائمة المفلسين.
لذلك أصبح من المهم الآن تناول هذه التداعيات المحتملة ومحاولة وضع حلول لها للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتجنب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تترتب عليه، وذلك إلى جانب التحديات الأمنية، حيث تتيح وسائل الذكاء الاصطناعي قدراتٍ للمؤسسات والأفراد يمكن أن تستغل في غير مكانها وتشكل خطراً على المجتمع.
ومع أنه ليس من السهل معالجة كل التحديات التي ستنجم عن استخدامات الذكاء الاصطناعي، فإنه يمكن الحد منها قدر الإمكان، فموضوع البطالة على سبيل المثال يمكن معالجة بعض جوانبه من خلال التعليم والتدريب لتأهيل مزيد من الأشخاص للتعامل مع هذه التحولات من خلال دعم تخصصات الذكاء الاصطناعي وزيادة الاستثمار البشري والمالي، إذ يحتاج ذلك إلى بعض الوقت، بالإضافة إلى قدرات مالية كبيرة.
وبالتالي، فإن العالم يقف على أعتاب عصر جديد يحمل معه تحدياتٍ خطيرةً في ظل احتدام الصراعات والحروب وارتفاع الطلب على الموارد الطبيعية، وبالأخص تلك التي تتطلبها الصناعات ذات التقنيات المتقدمة، مما سيزيد المنافسة عليها والتي بدأت بالفعل.
أما في الجانب المالي والاستثماري الذي أشرنا إليه في بداية المقالة، فإنه لا بد من الحذر في التداول بأسهم شركات الذكاء الاصطناعي والتي تضاعفت أسعارها خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً مع الاستفادة من تجربة فقاعة «الدوت كوم»، إذ من الممكن أن تكون هناك فقاعة أخرى خاصة بشركات الذكاء الاصطناعي، فأسعارها الحالية لا تعكس حجم أعمالها أو أرباحها. وكما كان الحال مع بعض شركات «الدوت كوم»، فإن عمل بعض هذه الشركات قد لا يستمر، كما أن مستويات الأرباح المرتفعة التي بلغتها الشركات الناجحة من حقبة «الدوت كوم» استغرقت سنوات عدة، مما يعني أن الوصول لأرباح تتناسب وأسعار أسهم شركات الذكاء الاصطناعي سيستغرق بدوره أعواماً عدة، وهو ما يتطلب الحذرَ واتخاذ القرارات المناسبة مِن قِبل المستثمرين.

* خبير ومستشار اقتصادي