طالما كان الإعفاء الضريبي على مر التاريخ أداة محورية وفاعلة لجذب القطاع الصناعي نحو العمل المجتمعي، ولا سيما في مجال دعم البحث العلمي، وتعتمد هذه السياسة التحفيزية على توفير مزايا مالية للشركات، ما يدفعها إلى الاستثمار في البحث والتطوير، ويسهم في النهاية في تعزيز الاقتصاد الوطني، وبناء المعرفة. وقد أثبتت الدول المتقدمة أن الإعفاءات الضريبية تسهم كثيراً في تحفيز الشركات على تمويل البحوث والمبادرات العلمية، لتصبح شريكاً أساسياً في التقدم المعرفي.
ويُعدُّ الإعفاء الضريبي أحد الأسباب الرئيسية التي ساعدت على ترسيخ مفهوم الوقف المعرفي، وتطبيقه، وهو نظام يهدف إلى تخصيص موارد مالية مستدامة لدعم البحوث العلمية والتطبيقية، ولا يخدم هذا الوقف البحوث العلمية فقط، بل يتيح الفرصة أيضاً للمشروعات التطبيقية والمبتكرة التي تسهم في حل المشكلات المجتمعية، وزيادة الإنتاجية، ومن هنا تأتي أهمية توفير الحوافز الضريبية لتشجيع القطاع الصناعي على المشاركة في مثل هذه المبادرات.
ويعتمد القطاع الصناعي بطبيعته على الموارد المالية، ويُعَدُّ الإعفاء الضريبي لغة مشتركة يفهمها جميع العاملين في هذا القطاع، ويتيح تقليل الأعباء المالية للشركات الصناعية فرصة أكبر للاستثمار في مجالات جديدة، ولا سيما البحث والتطوير، ويضمن ذلك استمرار الابتكار، وزيادة الإنتاجية، ومن هذا المنطلق يصبح الإعفاء الضريبي وسيلة فاعلة لجذب اهتمام الشركات نحو دعم البحث العلمي الوطني.
ويُعَدُّ تسريع وضع التشريعات التي تدعم الإعفاء الضريبي في مجال البحث العلمي ضرورة ملحَّة، إذ يمكن لهذه التشريعات أن تزيد إنتاجية الأعمال في مجالات البحث والتطوير، ومن ثمَّ تحقيق نتائج ملموسة مثل براءات الاختراع، وتأسيس شركات تختص بريادة الأعمال، ويمثل هذا الأمر في دولة الإمارات العربية المتحدة فرصة ذهبية لتعزيز دورها في إنتاج المعرفة الوطنية، والإسهام بفاعلية في اقتصاد المعرفة العالمي، فعن طريق دعم البحث العلمي يمكن لدولة الإمارات أن تصبح رائدة في مجال إنتاج المعرفة، وتصديرها.
ويمكن تقديم عدد من المقترحات المهمَّة في هذا الصدد، أحدها تشكيل مجلس متخصص يجمع أكاديميين ومديرين من القطاع الصناعي ورجال أعمال، توكل إليه مهمة إدارة المبالغ المكتسَبة من الإعفاء الضريبي، وتوزيعها على المراكز البحثية بناءً على معايير مدروسة وعادلة لكل تخصص، ويكون المجلس مسؤولاً عن ضمان توزيع هذه الأموال على نحو يضمن تحقيق أكبر استفادة ممكنة منها، بما يعزز تنوع البحوث، وتطوُّر جميع التخصصات العلمية.
وإضافةً إلى ذلك، يمكن استخدام أموال الإعفاء الضريبي في تمويل المنح الدراسية، ودعم الباحثين الشباب، وتعزيز البنية التحتية البحثية في الجامعات والمراكز البحثية، وسيسهم هذا النهج الشامل في بناء قاعدة علمية قوية تدعم الابتكار، وتحقق التنمية المستدامة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإعفاء الضريبي ليس حافزاً ماليّاً للقطاع الصناعي فحسب، بل هو استراتيجية وطنية لتعزيز البحث العلمي، وتمكين الاقتصاد المعرفي، عن طريق تنفيذ سياسات فاعلة، يمكن للدول أن توظفها في رسم مستقبل مشرق في مجالات البحث والتطوير، ما يعزز مكانتها على الساحة العالمية.


*مستشار جمعية المهندسين الإماراتية