لطالما توقعت شركات التكنولوجيا الكبرى أن تكون تعاملاتها سهلة من السلطات، ولسبب وجيه أنها كانت دائماً تحصل على ما تريد. لسنوات كانت شركة «آبل» تسيء استغلال الثغرات لتدفع ضرائب تكاد تكون صفرية في الاتحاد الأوروبي بينما تحقق أرباحاً قياسية هناك، بفضل المعاملة الخاصة من إيرلندا، حيث يقع مقرها الرئيسي الأوروبي. كما تمكنت «جوجل» التابعة لشركة ألفابت لسنوات من ترسيخ هيمنتها في مجال البحث بفضل المعاملة الخاصة التي قدمتها الشركة لخدمة التسوق الخاصة بها على حساب المنافسين.
الآن، تواجه «جوجل» و«آبل» عقوبات على تلك المزايا غير العادلة بشكل واضح، إذ يجبر الاتحاد الأوروبي آبل على دفع 13 مليار يورو (14.4 مليار دولار) كضرائب متأخرة للحكومة الإيرلندية، وجوجل على دفع غرامة قدرها 2.4 مليار يورو لتلاعبها بمنصتها. بالنسبة لكلا الشركتين، وصلت القضايا إلى نهاية خط الاستئناف. بالطبع، هذه المدفوعات ليست سوى تكلفة من تكاليف ممارسة الأعمال - مبلغ زهيد حقاً - ويمكن للشركات أن تهنئ محاميها على تأخير القضايا في المحكمة لسنوات من خلال استئنافات لا تنتهي.
لكن عصر القضايا الطويلة يتلاشى، إذ ينتقل الاتحاد الأوروبي إلى فترة يمكن لسلطاته المتخصصة في مكافحة الاحتكار أن تكون فيها أسرع، ويستخدم المنظمون إطاراً قانونياً أكثر كفاءة لمكافحة السلوكيات غير التنافسية من شركات مثل: ألفابت وآبل وميتا وأمازون دوت كوم، ومايكروسوفت، وإنفيديا. حتى الآن، كان على المنظمين أن يكونوا أذكياء بشأن كيفية استخدام القوانين القديمة وتلك التي عفا عليها الزمن لمتابعة قضاياهم في المحكمة. لهذا السبب استغرقت الإجراءات وقتاً طويلاً للتنفيذ. لقد استندت المفوضية الأوروبية في قضية الضرائب الأيرلندية لشركة آبل إلى انتهاك قواعد المساعدات الحكومية في الاتحاد الأوروبي، والتي تتعلق عادة بالمنح أو الدعم. وتقول «آن ويت»، أستاذة في معهد القانون المعزز بكلية إدارة الأعمال في جامعة إيديتش: «من الناحية القانونية، كان هذا نهجاً مبدعاً للغاية». وتضيف ويت أن جوهر القضية كان معرفة كيفية إثبات أن أيرلندا تقدم لشركة آبل مساعدات انتقائية، وهو ما كان من الصعب حسابه من الناحية الفنية.
ولكن اعتباراً من هذا العام، تمتلك السلطات الأوروبية أداة جديدة رائعة، وهي ابتكار تنظيمي مهم لسياسات مكافحة الاحتكار كما كانت أداة «تشات جي بي تي» للذكاء الاصطناعي التوليدي. وهذه الأداة هي قانون الأسواق الرقمية (DMA)، وهو قانون كان يتعين على المنصات التقنية الكبيرة الامتثال له اعتباراً من مارس. وإذا سارت الأمور بشكل جيد، فلن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التراجع عن خطوته بسرعة، متابعاً التصرفات غير القانونية التي يستغرق التحقيق فيها وقتاً طويلاً للغاية.
الآن، أصبحت منصات التكنولوجيا الكبرى لديها قواعد واضحة يجب أن تتبعها مقدماً. على سبيل المثال، ينص قانون الأسواق الرقمية على أن تسمح شركتا آبل وجوجل لمستخدميهما بإلغاء تثبيت التطبيقات الافتراضية على أجهزتهم مثل خرائط آبل وجي ميل لتعزيز المنافسة. كما أن نتائج البحث على جوجل لا تبرز على خرائط جوجل بوضوح كما كانت من قبل.
وبدلاً من المعارك القانونية المطولة والاستئنافات، ينبغي لقانون الأسواق الرقمية أن يؤدي أيضاً إلى حل أسرع، مثل فرض غرامات تصل إلى 10% من أرباح الشركة العالمية. وبدلاً من التحقيقات الضيقة مثل قضية التسوق في جوجل، يغطي القانون مساحة أكبر بكثير، وينطبق على كل شيء من متاجر التطبيقات إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال المتحدثون باسم شركتي آبل وجوجل إن الشركتين شعرتا «بخيبة أمل» بسبب قرارات المحكمة هذا الأسبوع. لكن «مارجريت فيستاجر»، رئيسة المنافسة المنتهية ولايتها في الاتحاد الأوروبي والتي تعتبر هذه القضايا بمثابة خاتمة موثقة لها، قالت إن هذه القرارات أظهرت أن حتى أقوى شركات التكنولوجيا يمكن أن تخضع للمحاسبة.
هذه مشاعر متزايدة عبر الأطلسي، حيث حكم قاضٍ أميركي الشهر الماضي بأن جوجل قد قامت بتزوير سوق محركات البحث وكانت شركة احتكارية - حيث إن احتمالية تفكيك شركة تكنولوجيا كبيرة (جوجل) أصبحت ممكنة لأول مرة في التاريخ. الهدف هو في النهاية خلق المزيد من المساحة للشركات الصغيرة للابتكار ودخول الأسواق التي تهيمن عليها العمالقة وتقليل الضغط لبيع منتجاتها لتلك الشركات.
بالنسبة لشركات التكنولوجيا العملاقة، فإن العائد من الضغط على المشرعين وإبقاء الجهات الرقابية مقيدة في المحكمة يبدو أقل تأكيداً مع اكتساب اللوائح زخماً. يعد قانون الأسواق الرقمية من أكثر الأساليب جذرية حتى الآن للحفاظ على الرقابة على الممارسات الاحتكارية، مما يمنح الأوروبيين المزيد من التحكم، مقارنة بأي شخص آخر في العالم، على التطبيقات التي يمكنهم وضعها على هواتفهم الذكية وكيفية مشاركة بياناتهم.
كيف ستسير الأمور بسلاسة حتى نهاية هذا العام وفي عام 2025، لا يزال هذا سؤالاً مفتوحاً، ولكن من الواضح أن شركات آبل وجوجل وغيرهما من اللاعبين الكبار ستحتاج إلى البدء في وداع المزايا التي تمسكت بها لفترة طويلة جداً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»