أصبحت الهجرة قضية مستحيلة في أوروبا، وتشكل تهديداً للديمقراطية الليبرالية، والاستقرار الاجتماعي، والنمو الاقتصادي. وهناك أمثلة كثيرة، ومن الأمثلة المفيدة التي ظهرت مؤخراً في الأخبار ألمانيا.
فهناك، فاز حزب يميني متطرف، تضم قيادته ديماغوجيين يقللون من شأن جرائم الرايخ الثالث، بالانتخابات في إحدى الولايات، واحتل المركز الثاني بفارق ضئيل في ولاية أخرى، ويتصدر استطلاعات الرأي في ولاية ثالثة من المقرر أن تصوت في وقت لاحق من هذا الشهر. وقد اكتسب الحزب، وهو «حزب البديل من أجل ألمانيا»، قوة دفع مع تزايد تدفقات المهاجرين، التي يصورها على أنها تهديد وجودي للثقافة والهوية الألمانية.
الواقع أن المشكلة هنا هي أن القيود المفروضة على الهجرة، إذا كانت صارمة بما يكفي لتثبيط جاذبية «حزب البديل من أجل ألمانيا»، فإنها ستؤدي حتماً إلى استنزاف الاقتصاد الألماني الهزيل بالفعل.
فمع تقاعد جيل طفرة المواليد في ألمانيا وانخفاض معدلات المواليد، تتقلص قوة العمل بنحو 1% سنوياً. وهذا يعني خسارة سنوية لأكثر من 400 ألف عامل في بلد يكافح أكثر من نصف أرباب العمل فيه لملء الوظائف الشاغرة.
باختصار: تحتاج البلاد بشدة إلى العمالة المستوردة، ولكن استيرادها وهو ما يعني قبول المهاجرين أمر مثير للتوتر السياسي إلى الحد الذي جعل حزب «اليمين المتطرف» يفوز للتو بالانتخابات الألمانية لأول مرة منذ الحقبة النازية. وبينما تعاون الساسة في الأحزاب الرئيسية حتى الآن لاستبعاد «حزب البديل من أجل ألمانيا» من السلطة، فإن هذه الاستراتيجية نفسها قد تعمق من جاذبية الحزب للناخبين الغاضبين من الهجرة والنمو الراكد.
ولكي نفهم ما يجري في ألمانيا وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي، فلنتأمل كيف أعيد تشكيل ملامحها الديموغرافية بشكل جذري في العقد أو العقدين الماضيين.
في البلدان الأوروبية الكبرى، كانت نسبة المقيمين المولودين في الخارج تفصيلاً ديموغرافياً لسنوات، وفي عدد قليل فقط من البلدان كان المهاجرون يشكلون أكثر من عُشر السكان عند مطلع القرن.
اليوم، تقترب حصة المهاجرين في العديد من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي من حصة الولايات المتحدة، والتي كانت 13.9% في عام 2022، أو تتجاوزها. وهي تبلغ حوالي 20% في السويد، و18% في ألمانيا، و17% في النرويج، و15% في هولندا، و11% في فرنسا والدنمرك، و10% في إيطاليا، وفقا للأرقام الأخيرة.
وفي جميع أنحاء أوروبا، أصبحت الأحزاب المناهضة للهجرة تشهد صعوداً أو في السلطة بالفعل. حتى الأحزاب اليسارية تحولت وفقاً لذلك، وفي بعض الحالات إلى مواقف بالكاد يمكن تمييزها عن الكتل اليمينية.
ويعد تأثير الهجرة أكثر إثارة للدهشة إذا أخذنا في الاعتبار أطفال أو أحفاد المهاجرين. ففي فرنسا، 40% من الأطفال لديهم والد أو جد مهاجر واحد على الأقل، وهو رقم من شأنه أن يفاجئ العديد من الفرنسيين. وقد استغلت مارين لوبان، زعيمة الحركة القومية في فرنسا، التي تتصدر بعض استطلاعات الرأي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2027، الاستياء من الهجرة والتعددية الثقافية، مع التركيز على المسلمين.
وتخلت لوبان عن الخطاب القومي الصريح الذي تبناه مؤسس الحزب، والدها جان ماري لوبان، والذي وصف الولايات المتحدة ذات يوم بأنها «أمة مختلطة». ولكنها لم توقف الإشارات المعادية للأجانب. فقبل دورة الألعاب الأوليمبية في باريس هذا الصيف، أشارت إلى أن فرنسا ستشعر بالإذلال إذا ضمت قائمة المشاركين في حفل الافتتاح «آيا ناكامورا»، وهي نجمة بوب فرنسية من أصل مالي، تمزج كلمات أغانيها بين الفرنسية ولغات غرب أفريقيا. (غنت ناكامورا على أية حال).
وتعد نوبات التعصب المناهضة للمهاجرين مماثلة في أماكن أخرى من أوروبا، وهي أعراض لأزمة هوية متصاعدة وردود فعل سياسية. ومن الأمثلة القبيحة الأخيرة «باولا إيجونو»، لاعبة الكرة الطائرة النسائية الإيطالية الرائعة التي فازت بالميدالية الذهبية الأولمبية، فبعد أيام من قيادتها لفريقها إلى النصر في المباراة النهائية ضد الولايات المتحدة، تعرضت جدارية تحمل عنوان «الإيطالية» وصورة إيجونو، البالغة من العمر 25 عاما، وهي ابنة المهاجرين النيجيريين المولودة في إيطاليا، للتخريب في روما. وتم تلطيخ بشرتها الداكنة بطلاء وردي، ومسح ضفيرتها السوداء، وكذلك الكلمات «أوقفوا العنصرية والكراهية وكراهية الأجانب»، التي تم رسمها على الكرة.
وكانت الاستجابة السياسية مثيرة للانقسام. فقد ضغط الساسة المعتدلون والتقدميون من أجل تخفيف قوانين الجنسية الاستبعادية في إيطاليا. لكن حزب الرابطة اليميني المتشدد، الذي يتقاسم السلطة في الحكومة الائتلافية في إيطاليا، عاد إلى الشكل العنصري. وكتب «روبرتو فاناتشي»، زعيم الرابطة في البرلمان الأوروبي، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: «إيجونو، التي أصبحت مواطنة متجنسة في سن الرابعة عشرة، لا تمثل الغالبية العظمى من الإيطاليين، ذوي البشرة البيضاء».
إن الدولة التي ترتبط بعُقد عنصرية بسبب بطلتها الأولمبية المولودة في البلاد هي دولة لم تتصالح مع نفسها. ومن المحزن أن هذا يصف العديد من دول الاتحاد الأوروبي المعاصرة. ومع تزايد ضغوط الهجرة الخارجية في أفريقيا وأماكن أخرى، ستكون هناك عواقب محتملة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»