إنَّ المسيرة التعليمية في هذا الوطن يرعاها القائد الوالد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، منذ عقود من السنين، ويحيطها بكامل العناية والأهمية، لأن الرؤية المستقبلية لهذا الوطن وأهدافه العليا النبيلة واضحة في فكر صاحب السمو رئيس الدولة، ويريد ترسيخها في الأجيال الناشئة التي لا يريد أن يرى فيها واحداً من الذكور والإناث، إلا وهو في عداد الطبقة العليا من التعليم، وبهذه الأجيال النابهة المتعلمة يريد أن يرى هذا الوطن في الصدارة العالمية إسهاماً علمياً، وعطاءً حضارياً، وتميزاً قيمياً، فمن أقواله الرشيدة منذ عقود من السنين: «ما من أمة تسعى أن تحتل مكاناً مرموقاً ومتميزاً إلا أولت العملية التعليمية والتربوية اهتماماً بالغاً، تستطيع من خلاله بناء جيلٍ واعٍ متمسكٍ بثقافته وقيمه وتقاليده أولاً، ثم قادرٍ على التكيّف مع تطورات العصر ومعطيات التكنولوجيا الحديثة ثانياً».
هذه الرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد نمت مع الأيام وترسَّخت في جنبات هذا الوطن وفي أجياله الصاعدة، وتابعها بكل دقائقها وتفاصيلها، فأثمرت جيلاً إماراتياً ينافس على الصدارة العالمية في كل ميادين العلم والمعرفة، ويقدم شبابُه وشاباته مثال الطموح والإقدام العلمي، فلا غرو أن تجد أبناء هذا الوطن في حضور دائم في المحافل والمعامل ومراكز الفكر والبحث، لأن القائد الوالد أعطاهم من عمق تفكيره وخالص جهده، وسخاء كفّه الكثير الكثير، الذي لم يترك لهم عذراً في التواني أو حجة للتراجع، ومن أقواله الحكيمة في هذا الموضوع: «سيظل التعليم محور اهتمامنا من أجل بناء مستقبل مشرق لوطننا وأبنانا».
ومن جهوده المباركة أنه، حفظه الله، لا يفوّت فرصةً للشباب إلا وهو حاضر معهم ينفث فيهم حب الوطن ويشد من أزرهم، ويقوي عزائمهم لرؤية مستقبلهم المرتبط بمستقبل هذا الوطن، فتوجيهاته السامية لهم تتوالى وتستمر حتى لا تفتر العزائم، ولا تكلّ الهمم، وكيف يكون ذلك ورؤية القائد الوالد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، استقدام خلاصة المعرفة البشرية إلى هذا الوطن وترسيخها فيه، ثم تنميتها وتطويرها، لخدمة الإنسانية جمعاء، ومن هنا يدرك الناظر في رؤية وفكر الشيخ محمد بن زايد أهمية ابتعاث جيل الشباب إلى أفضل الجامعات العالمية من شرق الأرض في الصين واليابان وكوريا، إلى غرب الأرض أميركا وأوروبا وروسيا، لتعود هذه البعثات وقد حملت معها مناهج الشرق والغرب وخلاصة علومها، وقد كان هذا من منارات فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حين اتخذ هذا القرار منذ مدة طويلة فأعلنها بقوله: «تقدم الدولة كل الدعم لمبادرات الارتقاء بالمنظومة التعليمية، وقد حرصت قيادة الدولة على التعاون مع أرقى المؤسسات التعليمية».
وإنَّ رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، بتهنئة أبنائه الطلبة وأولياء أمورهم والعاملين في ميدان التعليم، جاء فيها الحثُّ والتأكيد على هذه الأسس التي وضعها أمام الأجيال منذ عقود، لتكون نبراساً أمامهم يهتدون به في عامهم، بل أعوامهم الدراسية، وقد كان التأكيد على الأساس الأول في هذه الرسالة الأبوية وهو: أهمية التعليم ومكانته، فقال حفظه الله: «التعليم ركن أساس في مسيرة تنمية بلادنا».
وقد جعل، حفظه الله، هذا الركن في رؤية القائد والقيادة منذ أن رأى بثاقب فكره أن الأوطان لا تبنى إلا بالعلم، والحضارة لا تقوم إلا على المعرفة، وأن العالم اليوم يتنافس في هذا الميدان، فقد كان يكرر دائماً على مسمع الشباب فيقول: «لا مكان في المستقبل لمن يفقد العلم والمعرفة»، ومن هنا فقد أغدق على التعليم وقدم له الإمكانيات التي تنقله إلى المراتب العليا المتقدمة، ونافس في ذلك أعرق الدول وأهم المؤسسات العلمية في العالم.
إنَّ جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ترمي إلى جعل هذا الوطن كله مصدر إبداعٍ عالمي، وإلهامٍ إنساني بما يقدمه أبناؤه وأجياله من إسهاماتٍ تتطور باستمرار، وقد وجه سابقاً كلمته الرشيدة إلى المتعلمين فقال: «لا نسعى إلى نقل المعرفة، بل إلى ترسيخها في عقولنا بما يتيح توليد الأفكار المبدعة، وإنتاج الحلول المبتكرة، لخير الوطن ومصلحة البشرية». إنَّه تأكيد على هذا الأساس المكين الذي جعلته القيادة المبادئ الكبرى لمسيرتها نحو المستقبل.
وقد ذكّر، حفظه الله، بمبدأ آخر من مبادئ التعليم أنه: «منظومة متكاملة ومتطورة».
فالحياة الإنسانية واسعةٌ، وجوانبها كثيرةٌ ومتعددةٌ، وإنَّ النهوض بالوطن والحضارة لابد أن يشمل جميع جوانبها، ولهذا كان التكامل في المنظومة التعليمية والنهوض بكل تخصصاتها وأنواعها هو النهوض الصحيح المتوازن الذي يجعل الوطن في كفاية ٍ ذاتية، ومناعةٍ من نقص الحاجات والإبداعات، ويجنب الوطن من الهزّات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وهذه الرؤية التكاملية هي التي تعطي الإسهام العالمي للوطن في كل الميادين، وهي نظرة حكيمة يريد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، أن يطوي الزمن ويختصر العقود من السنين ويجعل النهضة عامةً والتفوق شاملاً.
وقد جعل مسؤولية تفوق الجيل تقوم على دعامتين:
الأولى: المؤسسات التعليمية، والثانية: الأسرة والوسط العائلي، فالمؤسسة التعليمية بنظامها الإداري والعلمي وبرامجها ورقابة الهيئة التدريسية، ودورُها عظيم الأثر، ولا سيما الأستاذ الذي يلتقي مع الطلبة أكثرَ من آبائهم وأمهاتهم، فيغرس فيهم من السلوك وحب العلم والوطن، بدءاً من اللغة وانتقاء الكلمات، إلى طرائق التفكير ووضعهم في أول درجات سلم الابتكار والإبداع، فكم من أستاذٍ مخلصٍ رفع الخاملين إلى مصاف العباقرة والمبدعين!! وكم من الشباب النابهين يقتل فيهم أستاذٌ مقصرٌ ومضة النبوغ وروح الجدّ والنَّشاط !
إنَّه، حفظه الله، ينبه إلى أهمية المؤسسة التعليمية التي تصنع الجيل العظيم وفيها يُبنى الوطن ومستقبل الوطن، ويذكرهم بمسؤوليتهم النبيلة وعملهم الوطني الرفيع، بدءاً من أصغر موظفٍ عاملٍ فيها إلى مسؤوليها الكبار، الذين أخذوا على عاتقهم الرقي بها بعد الحفاظ عليها.
والدعامة الثانية: هي الأسرة التي تهيئ الأبناء والبنات روحياً ونفسياً وجسمياً وفكرياً، ليقبلوا على مؤسسة التعليم بشغفٍ واندفاعٍ ومحبةٍ، وهذا دور الأب والأم والإخوة والأقارب الذين يغرسون في الأبناء والبنات النظرة إلى المستقبل ودورهم في صناعة مستقبل أسرهم ووطنهم، ويكون هذا بالمتابعة المستمرة التي لا تغفل عن الأبناء في صباح أو مساء.
 وقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «إنَّ الثروة الحقيقية والمكسب الفعلي للوطن يكمنان في الشباب الذي يتسلح بالعلم والمعرفة، بوصفهما وسيلةً ومنهجاً يسعى من خلالهما إلى بناء الوطن وتعزيز منفعته في كلِّ موقعٍ من مواقع العطاء والبناء».
وقد ذكَّر، حفظه الله، بمبدأ راسخٍ من أسس هذا الوطن هو: (الجمع بين المعرفة والأخلاق والتربية)، وهذا المبدأ الذي كان يُلحُّ عليه الوالد القائد الشيخ محمد بن زايد، ليكون التفوق العلمي في أبناء هذا الوطن محاطاً بسياجٍ قوي من القيم والأخلاق، ليكون التوازن الإنساني في الأجيال، ولتكون وجهة المعرفة الإنسانية وإبداعاتها القادمة مفيدة للبشرية ولا تكون ضارة مدمرة، ويكون هذا الإطار الأخلاقي رابطاً إنسانياً بين جميع الشعوب والأمم، لتبرز حضارةٌ إنسانيةٌ واحدة وهي التي ستظهر…
ولهذا فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، دائماً حين يتوجه إلى الشباب ويحثهم على العلم والمعرفة يقرنهما بالقيم والأخلاق.
وإن عقلاء العالم وقد رأوا انفصال التعليم عن القيم يتنادون من كل الجهات إلى ربط التعليم بالقيم والأخلاق، ولكن الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، قد قرر التربية الأخلاقية في التعليم في كل مستوياته ويقول في ذلك، حفظه الله: «إننا نتطلع إلى أن تكون التربية الأخلاقية وما تحتويه من مفاهيم ومضامين دلَّت عليها شريعتنا السمحة، ودعت إليها تقاليدنا وعاداتنا وتراثنا وهويتنا الوطنية الأصيلة، وما يجمعنا بالإنسانية من قواسم مشتركة، منهجاً مكملاً يعزِّز ويرسِّخ القيم النبيلة والفضائل العليا في نفوس أطفالنا وطلبتنا».
إنَّ سيرورة القيم بجانب العلم والمعرفة ضمان للحفاظ على الإنسان والوطن فكانت في منهج الشيخ محمد بن زايد نسيجاً متكاملاً لا ينفصل فيه أحدهما عن الآخر: القيم والمعرفة، وبهذا تتميز المسيرة التعليمية في هذا الوطن، بناءً على هذه التوجيهات الأبوية من رئيس الدولة، حفظه الله. 
وإذا كانت قفزات العلم والمعرفة قد أصبحت لا تفرِّق في كثير من الأحيان بين الحقيقة والخيال العلمي، ويتصدر ذلك اليوم الذكاء الاصطناعي الذي يحتاج الناس إليه في كل مرافق الحياة، وله مع فوائده الجليلة مخاطره الكبيرة، فإنَّ توجيه صاحب السمو رئيس الدولة هو تنبيه لأجيال الوطن بأن لا تكون المعرفة التي يطمحون إليها في إطار التقليد واجترار الماضي وما هو مألوف ومعروف، بل يجب أن تكون أبصارهم ترنو إلى أحدث الإبداعات والابتكارات، ومنها الذكاء الاصطناعي الذي أصبح أخيراً أهم استثمارٍ بشري ومادي ووطني، فيجب أن تكون هممهم عالية، ورؤاهم بعيدة، يُسابقون ويُنافسون في الميادين العالمية المتقدمة.
وقد هيأ لهم، حفظه الله، الوسائل والأدوات وبيَّن لهم المقاصد والغايات في رفعة الوطن ومستقبله الآمن المزدهر. هذه الرسالة الأبوية من القائد الباني إلى أبنائه الطلبة وأسرهم والهيئة التعليمية تشمل جميع أبناء الوطن، صغاره وكباره ورجاله ونساءه.
وإنَّ هذه الرسالة قبسٌ من الحكمة تُضيء الطريق للأجيال، ومنهجٌ مستقيمٌ يرسم لهذه الأجيال طريق النجاح والإبداع، وعنوان المستقبل المشرق لهذا الوطن.
حفظ الله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، الذي يرعى المسيرة التعليمية في هذا الوطن بكل جدارةٍ وحكمةٍ وبُعد نظر، وحفظ الله أجيال الشيخ محمد بن زايد عنواناً للتفوق في هذا الوطن.
*المستشار الدكتور/ فاروق حمادة.