تمزج مراكز الفكر بين العلم والخبرة والحكمة والمعرفة لترسم مسارات الأمم وتطلعاتها، عبر رصد المخاطر وتقديم الرؤى التي تحقق طموحات التنمية والرخاء والاستقرار، ولاسيّما أنها تعمل وسيطاً للمعرفة وحاضنة للأفكار الإبداعية الجديدة لإنتاج سياسات وتوصيات تصنع قرارات مستنيرة، ورسم رؤى وتصورات مستقبلية غير تقليدية قائمة على العلم والبحث، وتزيد من الوعي المجتمع بقضايا العصر، في ظل الثورة المعرفية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم في قطاعاته كافة.ونحن في «تريندز للبحوث والاستشارات» إذ نحتفي اليوم بمرور عشر سنوات على تأسيس المركز، نتذكر أهدافنا منذ البداية في قراءة الفرص والتحديات الجيوسياسية والاقتصادية والمعرفية، وفق منظور استراتيجي رصين يعمل على إيجاد رؤى موضوعية تعزز الفهم الشامل لأبعاد القضايا الحالية والمستقبلية، وتحفّز الابتكار في تقديم نتائج مثمرة تضع المستقبل أمامها، والواقع المعيش حولها.
ولأننا نؤمن بأهمية الشراكات والتعاون البحثي، نعمل مع شبكة متنوعة حول العالم من المراكز البحثية العالمية والمنظمات والهيئات الدولية والمؤسسات الأكاديمية في تحليل ومواجهة التحديات المعقدة في عالمنا المعاصر، باستكشاف الحلول وعقد الفعاليات والحوارات العلمية المتنوعة، كجزء رئيسي من حركة البحث العلمي العالمي، حيث وضعنا نصب أعيننا منذ البداية عالمية الأنشطة والأهداف والتفاعلات البحثية، انطلاقاً من أهمية الحوار العالمي في صناعة الأمن والاستقرار، ونشر القِيم الإنسانية والحضارية اللازمة للتنمية المستدامة في الدول كافة.

وباعتباره حاضنة معرفية للعقول والأفكار، ينتهج المركز سياسة التعاون الدولي في جولاته البحثية، إذ ينطلق «تريندز» من أبوظبي إلى العالم، للمشاركة في وضع تصورات تدرك المتغيرات الجارية وتلائم الواقع، والاستفادة من الخبرات في دبي والقاهرة والرباط وعمّان وكيب تاون وسيول وبكين وموسكو ومونتريال وغيرها، حيث توجد مكاتب المركز الفرعية الخارجية، ما يرمي إلى توسيع الشراكات وفتح قنوات الحوار والتواصل مع المؤسسات البحثية والأكاديمية العالمية، وترسيخ التعاون بين الباحثين والخبراء في مختلف الاختصاصات، وإذكاء المتطلبات المعرفية والثقافية، وتوسيع قاعدة انتشار «تريندز»، كونه جسراً لنشر المعرفة حول العالم.

ولتمكين قادة المستقبل وتعميق رؤيتهم إزاء الأوضاع الحالية والمستقبلية، ينفّذ المركز برامج تدريبيةً متطورة حول البحث العلمي، بالتعاون مع جامعات ومؤسسات محلية وإقليمية وعالمية، مع تعزيز دور «مجلس شباب تريندز»، إذ يولي المركز أهمية كبيرة للاستثمار في الشباب، باعتبارهم عماد التقدّم، برفع قدرات الباحثين الشباب ودعم المجتمع والأكاديميين برؤى بحثية وازنة قادرة على تحليل مختلف القضايا الإقليمية والعالمية الراهنة، واستشراف المستقبل، والمشاركة في صناعته بإنتاج بحثي يقدّم الحلول الناجعة القابلة للتطبيق على أرض الواقع. وانطلاقاً من ذلك، وتزامناً مع الذكرى العاشرة لتأسيس المركز، دشن المركز «معهد تريندز الدولي للتدريب» كمبادرة فريدة لتطوير منظومة التدريب، باعتبارها ضرورة وضمانة لتمكين الجيل الجديد في مجال البحث العلمي، بما يحقق الريادة في تمكين الشباب ومواكبة النمو وتلبية احتياجات سوق العمل، وخدمة تطلعات المجتمع ودولة الإمارات. ولا يغيب الإعلام عن اهتمامات المركز، كونه قادراً على إيصال المعرفة وصدى الإنتاج البحثي إلى أبعد مدى، ومن هنا كان إنشاء «مكتب الاتصال الإعلامي» و«مختبر تريندز الذكي» وتطوير التواصل عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وإدخال تقنيات متطورة تشمل الذكاء الاصطناعي، من أجل إيصال صوت وبحوث تريندز إلى العالم، وقياس توجهات الرأي العام في «الباروميتر العالمي» بإعداد وتنفيذ المسوح والدراسات الميدانية.

إن ما حقّقه «تريندز»، خلال السنوات العشر الماضية، لهو برهان كافٍ ودليل وافٍ على النجاح والمكانة المرموقة التي تبوّأها وسط مراكز التفكير في العالم، إذ إن إنتاج المركز شمل مئات الكتب والترجمات والسلاسل العلمية والدراسات وتقديرات الموقف وأوراق السياسات، لاستقراء وتحليل القضايا الدولية والمستجدات الطارئة في الساحات العربية والإقليمية والدولية باللغتين العربية والإنجليزية، كما اتسعت شبكة شراكاته البحثية لأكثر من 260 شراكة غطّت كل قارات العالم ومناطقه، ما يجعله وبحق منصّة للحوار البحثي والمعرفي العالمي. كما يزخر المركز بشبكة واسعة من الخبراء والباحثين من تخصّصات وجنسيات متنوعة، تضع «ميثاق شرف المحتوى والبحث العلمي» نصب عينيها، بالتمسك بالقيم المهنية والمصداقية والتميز في نشر دراسات وأبحاث تقدم محتوى ينشر ثقافة السلام والتعايش والانفتاحِ على الآخر، والعمل على نهضة الأمم، في بيئة محفّزة للإبداع تبني الجسور بين الأكاديميين وصناع القرار. ولذلك كله، تُوّج «تريندز» بجوائز عدة، أبرزها جائزة «الإمارات للريادة في سوق العمل»، وحقّق أرقاماً قياسية في موسوعة «غينيس»، وحصل على الآيزو في الجودة، وصُنّف ضمن المراتب العشر الأولى في التصنيف العالمي لمراكز البحث والتفكير الناشئ بعد عامين فقط من تأسيسه، كما صُنف أيضاً ضمن المراتب العشر الأولى عالميّاً الأكثر إسهاماً في دعم سياسات مكافحة «كوفيد - 19»، وكل ذلك نتيجة لعمل مهني يقدِّر المخاطر والتحديات الدولية، ويقدم الرؤى الثاقبة للوضع الآني والمستقبلي.

إن عهد «تريندز»، منذ التأسيس كمؤسسة فكرية مستقلة، يمثل إضافة لمَسيرة البحث العلمي الجادّ والرصين في منطقة الخليج والشرق الأوسط والعالم، بتوفير قواعد البيانات والتحليلات الموثوق بها، مع الاهتمام بقضايا العصر المتطورة، كالذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والحروب الرقمية والاقتصاد المستدام والطاقة المتجددة، وقد حقق المركز، خلال العقد الماضي، العديد من الإنجازات أثّرت في الحراك الفكري، من خلال 16 برنامجاً بحثياً تغطي مختلف المجالات، وإصدار الدراسات والبحوث المتعلقة بالتطرف والإرهاب والأمن الإقليمي والقضايا الاقتصادية والاستراتيجية والذكاء الاصطناعي والتغير المناخي والتحولات الرقمية. المؤسسات الفكرية هي بوصلة المسارات المستقبلية ومساحة لتوليد الأفكار ومراقبة السياسة العامة وتوفير الموارد الفكرية والتخطيط لصانعي السياسات، لتجنب الأزمات، وتوسيع آفاق النمو برؤية قائمة على بناء مجتمعات معرفية عربية تواجه التحديات المعاصرة. ومع انتهاء العقد الأول من تاريخ «تريندز»، تتواصل المَسيرة بالنظر إلى المستقبل والتميز في البحوث والدراسات وتقديم الاستشارات في قطاعات مختلفة، وبناء شراكات استراتيجية وثيقة مع مختلف المراكز العالمية والمنظمات الدولية، اعتماداً على مبادئ التطور والحداثة والجاهزية والعالمية في كل خطوات المركز، لاستشراف المستقبل بالمعرفة.

وفي هذه المناسبة، لا يَنسى «تريندز» التأكيد على أن بيئة العمل التنافسية الرائدة عالميّاً التي ينطلق منها في دولة الإمارات، هي أحد أهم، بل هي السبب الأساسي في كل ما حقّقه، ولا يزال، من نجاحات وإنجازات بحثية، بفضل ما توفره القيادة الرشيدة من دعم لكل الكفاءات وأصحاب المهارات من مؤسسات وأفراد، كما لا يفوتنا التنويه إلى دور الشركاء ورفقاء العمل والنجاح في الداخل والخارج في دعم مسيرة عملنا، وتحفيزنا للوصول إلى ما هو أفضل، وقطع مسافات أبعد لمصلحة البشر والشعوب في كل مكان.

*الرئيس التنفيذي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات