يقدم «مؤتمر أبحاث الفضاء» الذي تنظمه «وكالة الإمارات للفضاء» في شهر أكتوبر المقبل، نموذجاً واضحاً للعمل الحثيث على تهيئة أفضل الظروف لإعداد الكوادر الوطنية في قطاع الفضاء، بوصفه جزءاً من عملية متكاملة في السعي إلى أن تكون دولة الإمارات جزءاً من ثورة العلوم المتقدمة التي غيرت وجه العالم، وأعادت تعريف مفهوم القوة والتأثير العالميين، على نحو تحتل فيه الدول القادرة على الإسهام بنصيب في إنتاج المعرفة العلمية والتكنولوجية مراكز الصدارة العالمية، وتضع أسساً قوية لاستدامة استقرارها السياسي وازدهارها الاقتصادي ومكانتها العالمية.
وتنطلق الجهود التي تبذلها الدولة في هذا المجال من رؤية شديدة الوضوح للتكامل بين أفرع المعرفة العلمية المختلفة، وأن التطور في أحدها ينعكس تقدماً موازياً في غيره من حقول العلم وتخصصاته، ويعزز حضور العلم فكرة وتطبيقاً في مجالات التنمية كافة، ويظهر ذلك جلياً في تذكير صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، خلال الاحتفال بوصول «مسبار الأمل» إلى المريخ، بالأفق الأبعد والغاية الأكبر، في قوله: «لم يكن هدفنا أن نصل إلى المريخ وإنما أن نعدّ إنساناً متسلحاً بالعلم والمعرفة والإيمان.. وبناء ثروة بشرية قادرة على أن توصل الإمارات إلى القمة».
ويشير إتاحة فرصة المشاركة في المؤتمر للمواطنين والمقيمين في دولة الإمارات، إلى عدد من الاعتبارات المهمة، ومن أهمها اتساع البنية التحية العلمية في الدولة، سواء من جانب توفر الكوادر المؤهلة القادرة على إنجاز دراسات علمية متخصصة، أو تعدد مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات البحثية التي تحقق إنجازات مهمة في مجال إعداد البحوث والدراسات العلمية المتخصصة، على نحو يشير إلى السير بخطوات واسعة نحو توطين المعرفة وتحقيق الأهداف المحددة في «الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030» التي أطلقتها دولة الإمارات عام 2019. كما يوسع المؤتمر دائرة الأشخاص الذين يمكنهم المساهمة ببحوثهم ودراساتهم العلمية، فهو يفتح الباب أمام طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا جنباً إلى جنب مع الباحثين والخبراء في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء، ما يوفر حافزاً للموهوبين وأصحاب القدرات العلمية لتطوير قدراتهم وطاقاتهم، واجتذابهم إلى ميدان البحث العلمي المتخصص، كما يتيح اكتشاف المتميزين منهم في وقت مبكر، ويُرسخ دور الجامعات بوصفها مؤسسات بحثية تسهم في تطوير المعرفة الإنسانية، وهو دورها الأهم.
من جهة أخرى، فإن الجمع بين طلبة البكالوريوس والدراسات العليا من جهة، والخبراء والأكاديميين الكبار من جهة ثانية، يعزز من ثقة شباب الباحثين بأنفسهم وبقدراتهم، ويقدم لهم فرصة التواصل العلمي المباشر مع علماء وأساتذة من أصحاب التاريخ البحثي الطويل، وإقامة روابط وصلات علمية تختصر عليهم كثيراً من الجهد في اكتساب المعرفة وتطويرها.
ومن منطلق توجيه الجهود البحثية إلى حقول وقضايا علمية تلبي الاحتياجات البحثية المطلوبة، فقد حددت وكالة الإمارات للفضاء 6 فئات متعلقة بسياسات علوم وتكنولوجيا الفضاء، تشمل الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، والموقع والملاحة والتوقيت، ورصد الأرض، والوصول إلى الفضاء والاستدامة، واستكشاف الفضاء، والوعي بالأوضاع الفضائية. ويتيح مثل هذا التحديد إثراء المعرفة العلمية وتركيزها حول الفئات المختارة، من خلال معالجات بحثية متنوعة تغطي مختلف زواياها، وتفتح الأبواب أمام مزيد من استكشافها في المستقبل. وفي إطار التكامل بين البحث العلمي والتطبيق العملي، فإن المؤتمر يوفر فرصة لقادة الصناعة وللشركات والمؤسسات الاقتصادية للإسهام في المؤتمر من جهة، والاطلاع عن كثب على الإسهامات العلمية للمشاركين في المؤتمر، وتحديد طرق الاستفادة منها في أعمالهم، واقتراح الموضوعات البحثية التي تلبي المتطلبات العملية في مجال الفضاء وما يتصل به مجالات من جهة ثانية.
وأخيراً، يأتي تقديم منح بحثية لأصحاب أفضل ثلاث أوراق بحثية، ليجسد «ثقافة المكافأة» أو ثقافة تقدير التميز التي تعتمدها دولة الإمارات من خلال جوائز سخية في كل مجالات العمل والإنجاز. ويمثل اختيار المنح البحثية لتكون الجائزة في هذا المؤتمر العلمي، في تعزيز مسيرة البحث العلمي في مجال الفضاء، وتوفير كل الفرص لمزيد من الإنجاز الوطني في هذا القطاع.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.