إذا أردنا إسقاط التاريخ على واقعنا المعاصر، تتكشف حقيقة الفتنة ومن وراءها.. «ذباب»، يقطع المسافات، لنشر «إشاعة» مغرضة مزينة لطرف ضد الآخر، فالمعلومة  مزيفة، ولكن مفعولها قاتل ومقتول. 
أما ذباب هذا الزمن الإلكتروني، فهو فتنة العصر الكبرى وأشد خطورة من الذبابة التي خرقت أذن «نمرود» وأتلفت مخه ومن ثم عطلت عقله عن حسن التصرف حتى لقي حتفه. 
«ذباب» الوقت الحاضر، هدفه الرئيس، زعزعة أمن الأوطان، عبر استغلال هذه المساحة المفتوحة على العالم أجمع، لنشر الشائعات من أجل تحويلها إلى حقائق ليست دامغة، بل مدمرة.
والمتابع يدرك حقيقة هذه الظاهرة الشنيعة، التي تستهدف في الغالب المجتمعات الآمنة، وبشهادة الخبراء من أميركا، تتفوق منطقة الخليج بالذات في مقياس الأمن حتى على الولايات المتحدة ذاتها. 
أضع بين يدي المعنيين بهذا الموضوع الحساس بالدرجة الأولى، جانباً من خبرتي المتواضعة، خلال الخمس سنوات الماضية، لقد قمت بتجوال شامل لمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت إلى نتيجة مفادها، أن هذه الشبكات تخلق المزيد من الفواصل بين الشعوب وحكوماتها، وبين الشعوب ذاتها، فضلاً عن اصطياد الأفراد لأغراض مختلفة، سياسية وغيرها. 
بعض هذه المواقع، لم تغير عناوينها الرئيسة والمسيئة منذ سنوات، رغم تغير الأحداث العالمية، والمضي بها عكس السير الطبيعي للمجتمعات. 
ومواقع أخرى تبدأ بالمدح المبالغ فيه لبعض الأنظمة أو رموزها، فجأة من غير سابق إنذار أو تمهيد، تصب جام غضبها، بل ولعناتها على الأنظمة نفسها ورموزها التي لها سيرة عالمية مرموقة. 
تلك المواقع التي همها الفرقة والفجور في الخصومة، ينطبق عليها قول فيكتور هوغو عندما قال حكمته الشهيرة: «لا تخبرني بأنهم تحدثوا عني بسوء، أخبرني لماذا ارتاحوا بالحديث عني أمامك؟». 
أما المواقع الوهمية، فحدث عنها ولا حرج، فهي مليئة بالجرح الذي لا يندمل، ملاحقتها مضيعة للوقت والجهد، لأنها طفيلية تعيش على العفن فكراً وطرحاً. 
وهناك شرائح تنفث سموم الحسد والحقد والضغينة في أي مشروع تنموي ينقذ المجتمعات من التخلف والفشل، هذا مصيره كما قالت العرب في سالف الأزمنة عن الحسد الخاص بزوال النعم.: «لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله». 
فئة أخرى تستمتع بنجوميتها الفارغة من الضوء واللمعان، بل ترى نفسها بطلاً من أبطال حروب التاريخ في خيالها المريض.
إن أسوأ فكرة خطرت للإنسان: أن يكون بطلاً في الوهم، وهناك ألف مكان آخر يمكن أن يكون فيها بطلاً حقيقياً. 
فالبطولة في أن نبني بلداننا بأمان، وأن نزرع الأشجار فيها بامتنان، وألا نخاف على أطفالنا لأنهم محاطون بعيون ساهرة تزرع الأمن من حولهم.
البطولة الحقيقية في أن نكون آمنين في أوطاننا إلى ذلك الحد الذي لا نحتاج فيه إلى بطولات مواقع التواصل الاجتماعي الزائفة.
لا بد من مواجهة هذه الظاهرة الخارجة على القانون، بتعميق الوعي المجتمعي قبل كل شيء، لأنه سلاح ناعم لديه القدرة على الغلبة في مثل هذه المواقف والظروف وإن كانت صعبة، ومن ثم الانتقال إلى بث رسائل بين فترة وأخرى تؤكد الثقة برجال الأمن السيبراني والفضاء الإلكتروني في اكتشاف كل ما يخل بمعادلة الحفاظ على مكتسبات الوطن، دون الالتفات لترهات مواقع الفواصل الاجتماعي.
*كاتب إماراتي