توجد أمام المجتمع العالمي المعني بالمناخ فرصة كبيرة للبناء على الأسس التي أرستها النساء الإماراتيات في العمل المناخي، خلال مؤتمر الأطراف (كوب28) في دولة الإمارات العام الماضي، فيما يجري العمل على تنظيم مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب29) في باكو عاصمة أذربيجان، بعد أقل من ثلاثة أشهر.
ويستعدّ مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون للتركيز على تمويل العمل المناخي - وهو جانب حسّاس وبالغ الأهميّة في مسار التحوّل الشامل في الطاقة والعمل المناخي الأشمل، إلى جانب أهمية مراعاة تعزيز التوازن بين الجنسين في العمل المناخي. والمرأة الإماراتية التي لعبت دوراً أساسياً ومحورياً في صياغة نتائج مؤتمر الأطراف كوب28 وتعهداته التاريخية على أرض دولة الإمارات، هي في موقع متقدم يؤهلها لتقديم خبراتها للمجتمع العالمي، وترسيخ نهج أكثر شمولاً وإنصافاً على صعيد تمويل العمل المناخي.

لقد شكّل مؤتمر الأطراف كوب28 علامة فارقة، وخطوة متقدمة في الدبلوماسية المناخية لدولة الإمارات، سواء من حيث النتائج التي أنجزتها وتصدّرت عناوين الأخبار العالمية، أو على مستوى المهارات القيادية والدبلوماسية المتميزة التي أظهرتها المرأة الإماراتية في العمل المناخي خلال المؤتمر.
وهو ما تأكد خلال حلقة خاصة من بودكاست On Renewables حول الطاقة المتجددة، والذي استضافت فيه سيدات رائدات من وزارة التغير المناخي والبيئة بمناسبة يوم المرأة الإماراتية. فقد أصبحت الإماراتيات في مقدمة جهود الدولة لدعم وتسريع العمل المناخي على الساحة العالمية.
من جانب آخر، فقد كان للجهود التي بذلتها القيادات المناخية النسائية الفضل الأكبر في بلورة «اتفاق الإمارات» التاريخي وأجندة العمل الرئيسة لمؤتمر الأطراف الماضي، واللذين شملا مجالات حيوية مثل الأمن الغذائي، وحماية الطبيعة وتمويل المناخ، وتحوّل الطاقة والعمل المناخي على مختلف المستويات.
على سبيل المثال، شددت معالي شما المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع رائدة المناخ للشباب في «كوب28» على أهمية مأسسة دور الشباب في العمل المناخي، كما حثّت على توفير دعم أكبر لمشاركة الشباب في اتخاذ القرارات بشأن المناخ. كما عملت سعادة رزان المبارك، رائدة الأمم المتحدة للمناخ في «كوب28»، على توحيد رؤى المجتمع المدني والأفراد والمؤسسات، بشكل يضمن أن يكون العمل المناخي مدمجاً يشمل مختلف شرائح المجتمع. كما أدت هناء الهاشمي، كبيرة المفاوضين المناخيين لدولة الإمارات، دوراً محورياً في توجيه المفاوضات الصعبة والمعقّدة وقيادتها إلى تحقيق نتائج ناجحة.
ويلتقي الزخم المتأتي من إنجازات المرأة الإماراتية في «كوب28» مع منعطف حاسم خلال فعاليّات مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين القادم، حيث من المنتظر أن تسيطر مسألة تمويل العمل من أجل المناخ على جدول الأعمال.
وستركز المفاوضات والنقاشات في العاصمة الأذربيجانية باكو بشكل كبير على «الهدف الكمّي الجماعي الجديد لتمويل المناخ»، وهي آلية من الضروري اعتمادها لتوسيع نطاق الدعم المقدم للدول النامية في جهودها المرتبطة بالعمل المناخي، لكن لكي يكون هذا الهدف فعّالاً، من الضروري أن يتضمن سياسات تراعي التوازن بين الجنسين وتأخذ في الاعتبار التحديات الفريدة التي تواجهها المرأة في سياق التغير المناخي، وتعمل على معالجتها لا سيما بالنسبة للنساء في الخطوط الأمامية لمواجهة التغير المناخي.
حان الوقت للإقرار بأن التغيّر المناخي قضية اجتماعية والمرأة محور أساسي فيها. والوصول إلى مستقبل إيجابي على صعيد المناخ يعتمد ببساطة على السرعة التي يستطيع فيها المجتمع العالمي أن يقدم رأس المال، ويرصد التمويل اللازم للاقتصادات النامية والمجتمعات المحلية في الخطوط الأمامية، حيث تشكل النساء 80 في المائة من النازحين بفعل التغير المناخي.
وعلى الرغم من وجود هذه التحديات، فمن المهم التأكيد على أن النساء لسن مجرد ضحايا للتغير المناخي، فبإمكانهن عندما يحظين بالدعم والتمكين أن يصبحن من أكبر المناصرات والداعمات للعمل المناخي. فالنساء في مختلف أنحاء العالم هن في مقدمة الجهود الرامية إلى التكيف مع تداعيات التغير المناخي والتخفيف من آثاره، كما يدفعن في اتجاه إيجاد حلول مبتكرة تعود بالنفع والفائدة على مجتمعات كاملة.
وبالتالي، فإن مراعاة التوازن بين الجنسين في الاستثمار المناخي مسألة أخلاقية ملحة ومهمة، وضرورة استراتيجية. ومن خلال ضمان أن يكون التمويل المناخي شاملاً، يمكننا تحقيق نتائج مرنة ومستدامة تفيد الجميع.
ويتماشى هذا النهج، كما هو موضّح في تقرير مؤسّسة 2X Global الصادر حديثاً، مع أهداف «اتفاق باريس»، لا سيما المادة 73 منه، والتي تشدّد على الحاجة إلى اعتماد إجراءات وتدابير تراعي التوازن بين الجنسين، رغم أن هذه الجزئية لم تحظ تاريخياً بالأولوية الكافية، وكانت في الماضي هامشية خلال مناقشات تمويل المناخ.
ومن خلال توفير الدعم للنساء عن طريق التمويل المناخي الذي يراعي الجنسين، نحن لا نتعامل مع أوجه الضعف ونعالجها فحسب، بل نعمل أيضاً على تمكين النساء ممن لديهن القدرة على قيادة جهود مكافحة التغير المناخي.
ومن هذا المنطلق، يجب أن تعطي النقاشات المرتقبة خلال مؤتمر الأطراف «كوب29» الأولوية للتمويل المناخي الذي يراعي التوازن بين الجنسين، مع ضمان أن يكون «الهدف الكمّي الجماعي الجديد لتمويل المناخ»، وغيره من الآليات المالية، مصممة على نحو يراعي بشكل واضح آثار التغير المناخي على الجنسين.
وفي هذا الصدد، بإمكان العالم أن يتعلّم الكثير من النموذج الذي قدمته النساء الإماراتيات خلال «كوب28»، حيث أظهرت قيادتهن أنه عندما تحظى بالمرأة بالفرص لقيادة جهود المناخ على الساحة العالمية، يمكنها تحقيق تحوّل إيجابي مهم وملهِم.

وفيما نستعد فيه لانعقاد مؤتمر الأطراف المناخي المقبل، دعونا نركز على التمويل المناخي الذي يراعي التوازن بين الجنسين، فيما نبني على الإنجازات التي أرستها النساء الإماراتيّات اللواتي كرّسن جهودهنّ لضمان أن تكون الفرص المتكافئة بين الجنسين في صميم السياسات والتعهدات الدولية المرتبطة بتمويل العمل المناخي العالمي.
*المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)