في الوقت الذي تتفاقم فيه الأوضاع في غزة منذرة بتداعيات خطيرة على أمن الإقليم، تبرز الرؤية الإماراتية بوصفها إحدى المقاربات الواقعية والمستدامة لمحاولة إحداث اختراق يُفضي إلى إيجاد حل طويل الأمد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي تحت مظلة القانون الدولي والشرعية الدولية، وبرعاية الولايات المتحدة والدول ذات العلاقة على المستويين الإقليمي والدولي. وتستند الرؤية الإماراتية إلى عدد من الركائز والمسارات أهمها:
استمرار العمل الإنساني: تصدَّرت دولة الإمارات العربية المتحدة دول العالم في تقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث بلغت نسبة مساهمة الدولة 27% من إجمالي المساعدات المرسلة للقطاع من قبل دول العالم، ما يعكس دعم الدولة الثابت للشعب الفلسطيني الشقيق. وأصبح الجهد الإنساني الإماراتي أكثر أهمية وحيوية بعد إغلاق عدد من المعابر، حيث تسعى دولة الإمارات إلى الوصول لأكبر عدد من النازحين، لتقديم المساعدات الإنسانية لهم، في ظل الوضع الكارثي في قطاع غزة بعد توقف دخول المساعدات إليهم، ما تسبب في ارتفاع احتمالات حدوث مجاعة حقيقية تصيب سكان القطاع كافة، وفق تقديرات لمنظمات إغاثية دولية.
العمل على وقف إطلاق النار: دعمت دولة الإمارات جهود الوساطة لوقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن والسجناء، خاصة خلال ولاية الدولة التي انتهت مؤخراً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما دعمت السياسة الإماراتية جهود كلٍّ من مصر وقطر والولايات المتحدة. ووفقاً لبيان صادر عن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية: «تنضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الدعوة الموجهة من صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة، ورئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، عبدالفتاح السيسي، ورئيس الولايات المتحدة الأميركية، جو بايدن، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين».
طرح استراتيجية للتعامل مع فترة ما بعد الصراع في غزة: في ظل غياب تام لأيِّ مبادرات دولية وإقليمية لوضع استراتيجية للتعامل مع فترة ما بعد الصراع في غزة، تقوم دولة الإمارات بتقديم رؤية تتضمن عدداً من الخطوات كشفت عنها معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، حيث أكدت أنّ ترسيخ الأمن والاستقرار وإنهاء المعاناة الإنسانية ينبغي أن يبدأ من إنشاء بعثة دولية مؤقتة بدعوة رسمية من الحكومة الفلسطينية بقيادة رئيس وزراء جديد ذي كفاءة عالية ومصداقية واستقلالية، تعمل بشفافية وفقاً لأعلى المعايير الدولية، وعلى استعداد للتعامل مع الإصلاحات الضرورية للتغلب على التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وتحقق تطلعاته المشروعة في الاستقلال وبناء الدولة والتنمية والاستقرار، وقادرة على تحمل مسؤولية إعادة بناء غزة، وأن تناط بالبعثة مهمة تحقيق الاستجابة الفعالة للأزمة التي يكابدها سكان القطاع، إلى جانب العمل على إرساء القانون والنظام، ووضع أسس لحكومة مؤهلة تمهد الطريق لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل سلطة فلسطينية شرعية واحدة.
وضماناً لإيجاد حل مستدام للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤكد دولة الإمارات على ضرورة ايفاء إسرائيل بالتزاماتها باعتبارها سلطة احتلال في تحقيق الرؤية الدولية القائمة على حل الدولتين وفقاً للقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، إذ لا يمكن إعادة بناء غزة إذا استمرت في العيش تحت الحصار، وإذا لم يُسمح للسلطة الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها في القطاع، وأن تتوقف عن حجب تمويلها، فضلاً عن ضرورة وقف بناء المستوطنات والعنف في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
وتمثل الرؤية الإماراتية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جزءاً من منظور أوسع لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وازدهارها وتجنيب المنطقة مخاطر الانجرار لمستويات عالية من العنف، والتركيز - بدلاً من ذلك - على مشاريع التنمية وتوسيع التجارة وفتح آفاق أرحب أمام سكان المنطقة.
*صادرة عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"