تبدأ عملية إعادة تدوير النفايات الغذائية في الساعة الخامسة صباحاً من كل يوم، حيث تحمل عشرات الشاحنات أكثر من 400 طن من النفايات الغذائية اللزجة وكريهة الرائحة من المطاعم والمنازل إلى منشأة بحجم ملعبين لكرة القدم، والتي تحولها إلى طاقة خضراء كافية لتشغيل نحو عشرين ألف منزل.
يعد مركز دايجون للطاقة الحيوية واحداً من نحو ثلاثمائة منشأة تمكن كوريا الجنوبية من إعادة تدوير ما يقرب من خمسة عشر ألف طن من النفايات الغذائية اليومية، والتي يمكن تحويلها إلى سماد، أو إطعامها للماشية، أو تحويلها إلى غاز حيوي، وهو نوع من الطاقة المتجددة.
«يتولى هذا المكان معالجة نصف إجمالي النفايات الغذائية اليومية التي تنتجها مدينة دايجون»، حسب تصريحات جونج جو هوانج، الرئيس التنفيذي للمصنع، في إشارة إلى مدينة يبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة وتقع على بعد ساعتين تقريباً من سيول.
وبدون ذلك، كانت أغلب الفضلات لتذهب إلى الأرض، فتلوث التربة وتولد غاز الميثان ــ أحد غازات الدفيئة والتي هي أسوأ كثيراً من ثاني أكسيد الكربون من حيث الاحتباس الحراري العالمي في الأمد القريب.
وفقا لوزارة البيئة الكورية، عندما بدأت البلاد في معالجة هذه المشكلة قبل عشرين عاماً، ألقت 98% من نفاياتها الغذائية في سلة المهملات. واليوم، يتم تحويل 98% من نفايات الطعام إلى علف أو سماد أو طاقة، وقد حققت ذلك من خلال حظر بقايا الطعام من مكبات النفايات وإلزام جميع السكان بفصل نفاياتهم الغذائية عن القمامة وإعادة التدوير - ودفع ثمن الخدمة من خلال الرسوم والغرامات.
تعد كوريا الجنوبية واحدة من الدول القليلة التي لديها نظام وطني لإدارة نفايات الطعام. بينما جعلت فرنسا تحويل الطعام إلى سماد إلزاميا هذا العام - وفرضت بعض المدن مثل نيويورك قواعد مماثلة - فإن القليل من الأماكن تضاهي كوريا الجنوبية.
في الولايات المتحدة، يذهب 60% من نفايات الطعام إلى مكبات النفايات، وفقا لتقديرات وكالة حماية البيئة لعام 2019، مع تحويل 5% فقط إلى سماد و15% إلى طاقة.
تقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إن ما يصل إلى 31% من جميع الأطعمة تُهدر، وهو ما يكفي لإطعام أكثر من مليار شخص جائع. وتشير التقديرات إلى أن هدر الطعام يتسبب في ما بين 6 إلى 8% من الانبعاثات العالمية.
«إنها واحدة من أكبر المشاكل البيئية التي نواجهها اليوم»، بحسب «جوناثان فولي»، المدير التنفيذي لمشروع «دروداون» Drawdown، وهي منظمة غير ربحية تقيم حلول مناخية.
ووفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة التي حللها موقع «اور وورلد إن داتا» Our World in Data ، ينتج الشخص العادي حوالي 265 رطلاً من بقايا الطعام كل عام. وينتج المواطن الأميركي الواحد 304 أرطل، مقارنة بـ 242 رطلاً للمواطن الكوري الجنوبي، بينما يتصدر الماليزيون القائمة بـ 573 رطلاً، وينتج السلوفينيون 134 رطلاً، وهو أدنى مستوى عالمي.
عندما تم تطبيق سياسات كوريا الجنوبية للحد من هدر الطعام لأول مرة، قوبلت برفض من قبل عامة الناس الذين أجبروا على دفع غرامات ورسوم على بقايا طعامهم. لكن الآن، يعتبر سكان البلاد البالغ عددهم 50 مليون نسمة إعادة تدوير الطعام جزءا من الحياة اليومية.
توجد في بعض ناطحات السحاب في العاصمة سيؤول صناديق قمامة إلكترونية تزن نفايات الطعام. ويدفع السكان الذين يسجلون نفاياتهم عبر بطاقة رقمية رسوماً شهرية وفقاً لكمية ما يتخلصون منه. ويشتري آخرون أكياس النفايات بأقل من 10 سنتات، ويتخلصون منها في صناديق القمامة على جانب الشارع. وقد يتم تغريم المخالفين الذين يخلطون طعامهم بالقمامة العادية.
في التسعينيات، فشلت خطط التخلص من نفايات الطعام عندما اشتكى السكان من مكبات النفايات ذات الرائحة الكريهة، ولم ترغب الأحياء في استضافة محارق النفايات. وجعلت الكثافة السكانية في كوريا الجنوبية - أكثر من 51.7 مليون شخص يعيشون في منطقة بحجم ولاية إنديانا تقريبا - من المستحيل بناء مرافق بعيدا عن المناطق السكنية. قال بارك: «لذا كان الخيار الوحيد المتبقي هو إعادة التدوير».
ولكن على الرغم من كل نجاحها في إعادة التدوير، فإن الحكومة لم تقنع المواطنين بعد بإهدار كميات أقل من الطعام. ولم تتغير كمية نفايات الطعام التي يتم إنتاجها ــ حوالي 5.5 مليون طن سنويا ــ كثيرا على مدى خمس سنوات، على الرغم من التكلفة والمتاعب التي يفرضها على السكان إعادة تدويرها. ولم تتوصل البلاد بعد إلى أفضل طريقة لاستخدام هذه المخلفات.
إن فرز مخلفات الطعام أمر صعب. ففي النظام الكوري الجنوبي، يمكن تحويل البيض والدجاج والبصل إلى سماد، ولكن لا يمكن تحويل قشورها وعظامها وجذورها إلى سماد. وأحياناً تصل أدوات المائدة التي تستخدم لمرة واحدة، أو حتى فضلات الكلاب، إلى صناديق مخلفات الطعام. وإذا وصلت كميات كبيرة من المخلفات غير المناسبة إلى مرافق إعادة التدوير، فقد تتسبب في حدوث أعطال ميكانيكية قد تتطلب ما يصل إلى عام من الإصلاحات.
من ناحية أخرى، يحرص المزارعون على عدم إعطاء مواشيهم علفاً مصنوعاً من مخلفات الطعام، ويترددون في زراعة المحاصيل في تربة محروثة بأسمدة مصنوعة من القمامة بسبب رائحتها والصوديوم الزائد.
أندرو جونج -مراسل صحيفة واشنطن بوست في سيول
جولي يون - محررة في فريق الأخبار العاجلة بصحيفة واشنطن بوست
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»