تستمر المحاولات لخفض التصعيد ومنع حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران، وما يرجّح نجاحها أن الأطراف جميعاً أعلنت تكراراً أنها لا تريد هذه الحرب، أو أن هذا ليس وقتها «المناسب» أو «المثالي».

فللمرة الأولى منذ اندلاع حرب أوكرانيا، بدت الولايات المتحدة وروسيا معنيّتين، بشكل أو بآخر، بلجم الاندفاع إلى حرب في الشرق الأوسط، كلٌّ لأسبابها: أميركا لا تريد التورط مباشرةً في نزاع مشتعل في سنة انتخابات رئاسية، وهذا لا يمنعها من اتخاذ كل الإجراءات العسكرية لـ«حماية» الحليف الإسرائيلي.

أما روسيا، وكذلك الصين، فلا تشمل اتفاقاتهما الاستراتيجية مع حليفهما الإيراني دعمَ ذهابه إلى حرب، تحديداً ضد إسرائيل. لطالما أشارت المخاوف إلى «أخطاء» في الحسابات يمكن أن تجرّ إلى تصعيد تدريجي تتعذّر السيطرة عليه، وهو ما نبّهت إليه الأمم المتحدة على الدوام.

ويُنظر إلى الاغتيالات على أنها من هذه الأخطاء، سواء اعترفت إسرائيل بمسؤوليتها عنها كما في حال القادة العسكريين لميليشيا «حزب الله»، أو اتُّهمت بارتكابها كما في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خلال وجوده في طهران. لذلك اعتُبر الردّ الانتقامي من جانب إيران و«حزبها» بمثابة شرارة يمكن أن تشعل حرباً «كبيرة» أو «شاملة»، وفقاً للتوصيفات التي أُطلقت في شأنها.

ورغم تكثيف الاتصالات الدبلوماسية لمعالجة التوتر المتصاعد لم يكن ممكناً منع الردّ، خصوصاً أن طهران لم تبدِ أي استعداد لتمرير «انتهاك سيادتها»- وهو ما دانته منظمة التعاون الإسلامي- كما أن «حزبها» لا يستطيع تمرير قتل قائده العسكري في معقلها في ضاحية بيروت الجنوبية. لذلك، ومن دون إقرار علني، جرى قبول مبدأ الردّ، شرط أن يكون «مدروساً ومنضبطاً» وألّا يؤدي الى ضحايا مدنيين. في المقابل، طرحت واشنطن «مشروع تسوية» يشمل وقفاً لإطلاق النار في غزة وسائر بنود الاتفاق الذي سبق للرئيس الأميركي أن تبنّاه أواخر مايو الماضي، وفيه صفقة لتبادل الرهائن والأسرى وانسحاب إسرائيلي من القطاع وتوسيع لإدخال المساعدات والعمل على وضع تصوّر محدّد زمنياً لإعادة الإعمار.

وهذه بنود تُتداول منذ مطلع هذه السنة بين الطرفين (إسرائيل و«حماس») عبر الوسطاء، لكن من دون نتيجة، بسبب شروط إسرائيلية تطرأ مع كل جولة تفاوض، رغم اعتراف الوسطاء بأن «حماس» قدّمت تنازلات. ومن الواضح أن مشروع التسوية الأميركي، الذي يحظى بدعم أوروبي وعربي، أراد استغلال الجهود المبذولة لمنع الحرب، فمن جهة يقيم هدنةً في غزّة تلبّي مطلباً عالمياً فضلاً عن كونه مطلب «المحور الإيراني»، ومن جهة أخرى يُظهر مجدداً وجود «تحالف» للدفاع عن إسرائيل. لكن هذه المعادلة لا تشكّل حلاً للصراع الحالي في غزة والجبهات الأخرى التي تساندها من جنوب لبنان واليمن، ولا تبدو قابلة للاستدامة، بل انها تبدو أقرب الى جرعة تهدئة لتبريد المأزق الآني والحؤول دون تجاوزه الخطوط الحمر.

ويدّل البيان الذي صدر للمرة الأولى بتوقيع قادة الولايات المتحدة ومصر وقطر، على أن الوسطاء بلغوا مرحلة حاسمة، إذ قالوا بوضوح إنه «حان الوقت للتوصّل الى وقف لإطلاق النار وإبرام اتفاق بشأن الإفراج عن الرهائن والمحتجزين».

يمثّل هذا البيان، معطوفاً على قرارات لمجلس الأمن الدولي لم تنفّذ، إرادة دولية وإقليمية بوجوب انهاء الحرب على غزّة من دون إبطاء. بل ان الوسطاء أبدوا استعداداً لطرح «مقترح نهائي» للتغلّب على «شيطان التفاصيل» الكامنة في نص الاتفاق. يبقى أن يستجيب طرفا النزاع ويجيدا تقدير الموقف لتفادي الحرب.

*محلل سياسي- لندن