يعود اختراع العَلم إلى شبه القارة الهندية، في المنطقة التي تُعرف الآن بالصين، حيث أن مؤسس سلالة «تشو» الصينية في الفترة عام (1046م) استخدم الأعلام والرايات البيضاء التي كانت تتميز بالرموز مثل الطيور والحيوانات وانتشرت التنينات «جمع تنين» الزرقاء على المراكب، وإن سقط العَلمَ سقط أصحابه مما يعني هزيمتهم. ومثلما يفصح العلَم عن الهوية والوطن والانتماء، فإن الإعلام يقدم مفردات الهوية ويرصد المواقف ويتواصل مع الآخر. قديما قالت العرب (الحرب بالتهاويل)، بمعنى (خذوهم بالصوت)، وكان العرب قديماً ليس لديهم وسائل إعلام واتصال.
وتأتي مفردة الإعلام بمعنى «صوت وكلمة وحركة»، ولذلك العرب قديماً كانوا فقط لديهم الصوت، وكان الشاعر في القبيلة أو المنطقة هو بمثابة وزارة إعلام يحرك المجتمع ويثير حفيظته، وكان له حضوة كبيرة وتقديراً عالياً من الجميع على اعتباره لسان حال القوم وحاديهم، فهو القادر على إثارة الهمم وتجييش العواطف وبث الحماس في النفوس وحث الرجال على القتال والدفاع عن العرض والأرض وسيرة القبيلة. والعرب حين يكتشفون شاعراً كانوا يشعلون ناراً على أعلى قمة جبل أو تلة مجاورة، في إشارة وبشارة أن لديهم شاعراً ونابغاً، يحتمون به من أصوات الأعداء، ويمجد أفعال قومه ويعلي من شأنهم بين القبائل!
والإعلام يعني (إعلم)، بينما تختلف التسميات في الدول الأخرى، فمنهم من يعتبره الكلام وردود الأفعال أو الحوار مع الآخر أو خذ وهات! وكان الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريجان، من أقوى وأنجح الرؤساء وأكثرهم شهرة وحضوراً، لأنه استخدم الإعلام بشكل صحيح ومكثف كونه ممثلاً بارعاً! ولذلك نحن الآن في أمس الحاجة إلى إعلام من أي مرحلة خلت، إعلام برسالة مهمة ومؤثرة وراسخة تخدم الأجندات الوطنية والعربية ومصالح الأمة ورسالتها، لأن المنطقة اليوم تغلي على صفيح ساخن.
علينا المزيد من التحرك لتهيئة وإعداد كوادر إعلامية وطنية متخصصة قادرة على استخدام الإعلام بحرفية ومهنية تعتمد على تخصصات واضحة وموهوبين وطنيين، يتفاعلون مع الأزمات، وقادرون على تفنيد حجج الخصوم والأعداء والمتربصين بالشعوب، ويستطيعون إحباط الأجندات الخبيثة. علينا تقوية الإعلام، من خلال صحافة متخصصة مقنعة للآخر، تمتلك توجيه معنوي عال لشحذ الهمم ورفع مستوى الحذر والنهوض بالحس الوطني لدى قطاعات المجتمع المختلفة وتوعية الجمهور بالمخاطر المحدقة به، كل هذه من أجل أن تصبح المجتمعات في حصن منيع.
وفي عصر الطفرة التقنية تزداد أهمية الإعلام في تعزيز مستوى وعي وإدراك الفرد لما يدور حوله ومخاطر الأدوات الإلكترونية والذكية المنتشرة بشكل واسع، حيث أصبح الإعلام اليوم، أداة تستخدم ضدنا، من خلال توظيف التقنيات المتطورة. ومن باب قبول الرأي الآخر، مع الذين لا يفهمون لغة الحوار، أو شفافية تعاملنا معه، ولازال البعض منهم، يعتبر طيبتنا ضعفاً، وإنسانيتنا خمولا وعجزاً وتعاطفنا معه عدم قدرة ومعرفة، في تخصص إدارة الإعلام المهم، الذي يتطلب منا اليقظة والحزم ورفع الحس الاستشعاري وتوقع المخاطر.
* كاتب سعودي