من الصعب أن يستوعب إنسان القرن الواحد والعشرين الحقيقة التالية، وهي أن ملايين الكيلومترات من الحواجز الشائكة تلفّ العالم طولاً وعرضاً، وأن طول الطرق الموجودة في دول العالم مجتمعة يقلّ عن طول هذه الجدران والحواجز التي تفصل بين هذه الدول أو بين مناطق متعددة في داخلها، وبنسبة واحد إلى عشرة.. أي أن طول الجدران والحواجز الحدودية الرسمية الفاصلة يبلغ عشر مرات أكثر من طول الحواجز الحدودية الرسمية. ففي أستراليا وحدها مثلاً أُقيم حاجز من الأسلاك الشائكة يمتد على مسافة 5614 كيلومتراً لمنع الكلاب في المنطقة الشمالية من البلاد من الوصول إلى مراعي الأغنام في الجنوب والوسط. ويأتي طول هذا الحاجز ثانياً بعد جدار (أو جدران) الصين. ذلك أنه في شمال البلاد سلسلة من الجدران (وليس جداراً واحداً).

وقد بُنيت تلك الجدران خلال حقب متعددة من تاريخ الصين وصراعاتها مع قبائل الشمال. ولعل آخر الجدران المثيرة للقلق، تلك التي يجري بناؤها على طول الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة. ليس الخوف على الإنسان هو مصدر هذا القلق. إنما الخوف على حرمان حيوانات المنطقة من حرية الانتقال بحثاً عن مصادر غذائها مع تغيّر فصول السنة، مما يعرّض هذه الحيوانات إلى خطر المجاعة ومن ثم الانقراض. لقد سبق ان أُقيم مثل هذا الجدار بين دول آسيا الوسطى فأدى إلى كوارث مفجعة دفعت ثمنها حيوانات المنطقة. ذلك أنه إذا كان الإنسان قادراً على التكيّف مع الجدران الفاصلة التي يقيمها لأسباب تتعلق بأمنه، فإن الحيوانات الأليفة -وغير الأليفة- لا تعترف بهذه الفواصل ولا تتكيّف معها، وتتعرّض بسبب ذلك إلى الحرمان من الوصول إلى مصادر غذائها ومن ثم إلى التناقص إلى حد الانقراض.

فعندما تجد نفسها مفصولة عن مصادر غذائها ومحرومة من مصادر بديلة.. تموت جوعاً وهمّاً. عرفت هذه الظاهرة أيضاً السويد في شمال أوروبا، حيث أُقيمت الجدران المرتفعة للفصل بين مراعي الغزلان وتجمّعات الثعالب التي تعيش عليها. كما عرفتها كينيا في شرق أفريقيا، مما حمل السلطات على بناء هذه الجدران بعد أن سجّلت تراجعاً حاداً في عدد الغزلان والظباء.

ولعل أكثر دول العالم بناءً للحواجز والسدود هي أستراليا  وبوتسوانا وجنوب أفريقيا. أما الولايات المتحدة فإنها وحدها تبني ما يعادل خُمس مجموع هذه الحواجز. وأكثر حواجزها إثارة للجدل هو الجدار الفاصل مع جارتها المكسيك. وهو ما أقدمت عليه أيضاً تركيا على طول حدودها مع سوريا والعراق، وما أقدمت عليه بولندا على طول حدودها مع بيلاروسيا. ليست كل الجدران «أمنية – سياسية» وتهدف إلى قطع الطرق غير الشرعية أمام الهجرة. ولكن بعضها تفرضه حاجات إنسانية لحماية الثروة الحيوانية. ولكن الحيوانات المقصودة بالحماية تحركها غريزة البقاء في البحث عن الغذاء في المواقع التي اعتادت عليها جيلاً بعد جيل، والتي بات يفصلها عنها شريط شائك أو جدار مرتفع!.يجري الآن تخطيط بناء حواجز الأسلاك الشائكة، بحيث تكون قليلة الارتفاع بما يمكّن بعض الحيوانات من القفز فوقها، وبحيث تكون قليلة الانخفاض بما يمكّن حيوانات أخرى من الزحف تحتها. أما الإنسان فإنه يقف أمامها عاجزاً عن القفز أو الزحف.. تضيق به الأرض بما رحبت، لا يغيّر من ملامحها سوى بركان ثائر (إيسلندة نموذجاً) تأتي حممه على الأخضر واليابس وتشق طريقها الناري إلى حيث تريد، غير عابئة بالحدود والفواصل!

*كاتب لبناني