نحن اليوم أمام ثورة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي ثورة تحمل في طياتها إمكانيات كبيرة لتعزيز رفاهية الشعوب، وتحقيق التنمية المستدامة، ولتحقيق هذا الهدف لا بدَّ أن يركز الباحثون كثيراً على التأثيرات الاجتماعية والثقافية والبيئية التي قد تنجم عن هذا التمدد التكنولوجي، فقد حققت العديد من الدول تقدماً كبيراً في امتلاكها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتسعى جميعاً إلى تطويرها بما يخدم الإنسانية.

وبالنظر إلى الاهتمام الدولي المتزايد ببحوث الذكاء الاصطناعي، فإنه يصبح من الضروري التحدُّث عن أخلاقيات هذه البحوث، التي تعني تطبيق المبادئ الأخلاقية على الروبوتات والأنظمة الذكية، بما يتوافق مع القيم الأخلاقية، مثل العدالة والنزاهة والمساءلة، وبذلك نضمن استخدام التكنولوجيا استخداماً إيجابيّاً لمصلحة المجتمع. ومع ذلك، فإن تضمين مبادئ الأخلاق في بحوث الذكاء الاصطناعي لا يكفي وحده، ذلك أن هذه الأنظمة لا يمكنها فَهْم القيم الإنسانية بشكل مماثل لفهم البشر، ولذا يجب أن نكون حذرين لضمان استخدامها بشكل أخلاقي ومسؤول، وفي هذا الإطار يقول الفيلسوف والعالم الأميركي لويس ممفورد في كتابه «قيم للبقاء»: «إذا أردنا خلق كائنات بشرية متوازنة، قادرة على التعاون عالميّاً مع جميع البشر الآخرين من ذوي الإرادة الطيبة، فعلينا أن نمنح وزناً لإيقاظ المشاعر والتعبير عن القيم الأخلاقية والجمالية، يساوي الوزن الذي نمنحه للعلم والاختراع والتنظيم العلمي».

ويُعنى بالتأثيرات المرتبطة بمستوى الثقة ببحوث الذكاء الاصطناعي ضرورة أن تكون هذه البحوث غير متحيزة، ومنصفة، وشفافة، بحيث يمكننا - نحن البشر- فَهْم الكيفية التي وصل بها الذكاء الاصطناعي إلى القرارات التي اتخذها، كما يجب أن تكون هذه التكنولوجيا آمنة الاستخدام، وخصوصاً فيما يخص سلامة الإنسان. ولضمان ذلك على نحو عادل، لا بدَّ من تعاون صنَّاع السياسات والقوانين والتشريعات بشكل وثيق مع الباحثين في الذكاء الاصطناعي، للتحقق من توجهاته، والتعرف استباقيّاً إلى مخاطره عند توقع استخدامات ضارة لتطبيقاته، وهذا ما أكدته مشاركة منتدى أبوظبي للسلم في «مؤتمر أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام»، الذي عُقد أخيراً في مدينة هيروشيما باليابان، إذ حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على إيجاد منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي بإطلاق سياسات وتشريعات ومبادرات وشراكات دولية. وباستعراض التجربة الإماراتية في هذا الشأن أطلقت الدولة، في أواخر عام 2017، الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031، التي كانت خطوة مهمة مهَّدت لإنشاء وزارة الذكاء الاصطناعي في العام نفسه.

وتعزيزاً لتعميم الاستفادة، وسَّعت الحكومة لأصحاب المصلحة والمهتمين والخبراء النطاق لمناقشة تحديات زيادة الثقة بهذه التقنيات. وتعزز دولة الإمارات الحوار والتعاون الدولي لمواجهة التحديات المشتركة التي يشهدها العالم من جراء الثورة التكنولوجية الجديدة، وفي هذا الإطار يأتي حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة - حفظه الله - على المشاركة في جلسة قمة مجموعة السبع بشأن الذكاء الاصطناعي والطاقة، التي استضافتها إيطاليا أخيراً، وكذا إعلان سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع،  عقد خلوة الذكاء الاصطناعي لمناقشة القضايا الأخلاقية، واقتراح سياسات وابتكار خطط لتبني هذه التكنولوجيا، والتفاعل مع المواهب، وخلق الفرص المحلية والعالمية، إضافةً إلى مبادرة المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة تنظيم مخيم مهارات الذكاء الاصطناعي (AISC) للعام الثاني على التوالي ضمن فعاليات المنتدى الدولي للاتصال الحكومي.

وتعكس هذه المبادرات الالتزام الأخلاقي لدولة الإمارات بتوظيف التكنولوجيا في خدمة المجتمع، ومنح فرصة للتواصل مع كبار رواد الذكاء الاصطناعي في العالم، والاستفادة من خبراتهم في بناء مستقبل مشرق، وتأمين هذه التكنولوجيا وحمايتها، لكي تعمل من أجل الإنسانية.

*أكاديمية في قسم علم الاجتماع بجامعة الشارقة ورئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي.