طالما كانت فكرة التحكم المركزي محورية في مختلف المجالات، سواء السياسية، أو التكنولوجية، أو حتى الإعلامية، ولا سيَّما في نهايات القرن العشرين، فعلى الصعيد الإعلامي مثلاً ظلَّ نقل الأخبار، أو المعلومات، حكراً على بعض الصحف والمحطات في بدايات ظهور ما أُطلِقَ عليه حينها اسم الإعلام الحديث.
وفي ظل التغييرات الضخمة التي أتت بها الشبكة العنكبوتية، إلى جانب التطور المتسارع في فروع مختلفة من التكنولوجيا، تلاشت فكرة المركزية، وبدأت فكرة اللامركزية تطفو على السطح، وتنتشر مع بداية القرن الحادي والعشرين، ويمكن القول اليوم، إن مجال إنتاج الطاقة الكهربائية هو أحد أهم المجالات التي يلقى فيها مفهوم اللامركزية رواجاً واسعاً.
ومن المنظور التاريخي يمكن تبسيط عملية إنتاج الطاقة الكهربائية واستخدامها في نظام مركزي كلاسيكي، وفقًا لثلاثة مراحل أساسية هي: الإنتاج، عن طريق محطات توليد الطاقة التي تحوِّل الطاقة الأحفورية طاقةً كهربائيةً، وتقع هذه المحطات عادةً في مناطق بعيدة عن المدن، ثم النقل، عن طريق محولات كهربائية، وكيبلات نقل الكهرباء بجهد عالٍ.
وبعد ذلك الاستخدام، سواء في المناطق السكنية، أو المصانع. ويعتمد النموذج السابق على بضع محطات تتولى إنتاج معظم احتياجات المدن المجاورة من الطاقة الكهربائية، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة مثلًا يعتمد معظم إنتاج الطاقة الكهربائية في الدولة على حرق الغاز الطبيعي في محطاتٍ يقع أكثرها في مواقع بعيدة عن المناطق السكنية.
وفي ظل بروز الطاقة المتجددة، وتطور تكنولوجيا البطاريات، يعاد اليوم النظرُ في هذا النظام، فقد صار بالإمكان إنتاج الطاقة الكهربائية في مناطق الاستخدام نفسها، عن طريق ألواح تحويل الطاقة الشمسية، بل يمكن للمستهلك أن يبيع إنتاجه من الكهرباء لشركة الكهرباء المحلية.
ويجلب هذا النظام اللامركزي مزايا عدَّة، منها مرونته، وقدرته على التعامل مع أي حادث طارئ، أو حالات انقطاع الكهرباء، على نحو أفضل وأسرع من النظام المركزي، وهو أمر مهم جداً، ولا سيما إذا أخذنا في الحسبان حالات النزاع الدولية التي يُتعَمَّد فيها استهداف محطات توليد الطاقة الكهربائية لشل البنية التحتية، ونظراً إلى وجود مصادر عدة للطاقة في ظل النظام اللامركزي، فإن النظام الكهربائي يصبح أكثر تحصيناً، ويُبنَى هذا النظام أيضاً على مصادر متعددة (أحفورية، طاقة متجددة، نووية... إلخ)، ما يسهم في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة. ويُعدُّ النموذج الأسترالي أحد النماذج الدولية الجديرة بالذكر في هذا السياق، إذ تنتشر فيها الألواح الشمسية فوق المنازل، وفي المناطق السكنية، حتى واجهت بعض المناطق مشكلة فريدة من نوعها، تمثلت في إنتاج طاقة كهربائية فائضة.
وتبذل دولة الإمارات اليوم جهوداً حثيثة لتحقيق «خطة 2050» الساعية إلى تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، ووفقاً لهذه الخطة سيمثل قطاع الطاقة المتجددة، ولا سيما الطاقة الشمسية، نحو 50 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية بالدولة، لِيحوِّل تدريجياً عملية إنتاج الطاقة الكهربائية من نموذج شبه مركزي، إلى آخر لامركزي أكثر كفاءة وقوة.
*أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا.