في ضوء التسارع التكنولوجي الذي يشهده العالم، والثورة الهائلة التي يقودها الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، فإن دولة الإمارات تسعى للريادة في مجالات البنية التحتية الرقمية ومراكز البيانات لتوفير بيئة خصبة للشركات العالمية، وتأمين أفضل الخدمات التقنية محليّاً، وبصورة تدعم التحول الاقتصادي الرقمي في شتى المجالات. وتسير حكومة دولة الإمارات بخطى ثابتة نحو تجهيز بنية تحتية تواكب الثورة الصناعية الرابعة وموضوعاتها في الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والميتافيرس وغيرها، كما أطلقت استراتيجيات ترتبط بالعديد من هذه التكنولوجيات كخطوات نحو تحقيق الريادة العالمية فيها.
وفي أوائل شهر مارس 2023، أعلنت الإمارات عن صندوق استثماري في مشروعات الذكاء الاصطناعي يُقدَّر بنحو 100 مليار دولار لتعزيز مكانة الدولة، وجعلها قوة إقليمية وعالمية في التكنولوجيا التي ستغير العديد من مسارات العالم في المستقبل. ويشير تقرير لشركة «بي دبليو سي» إلى أنه مع حلول عام 2030 سيسهم الذكاء الاصطناعي بضخ ما يقرب من 96 مليار دولار في الناتج المحلي لاقتصاد دولة الإمارات.
وعليه، يظهر حرص حكومة دولة الإمارات على إنشاء أحدث مراكز البيانات التي ستشكِّل عنصراً أساسيّاً في مشروعاتها المستقبلية نحو التكنولوجيات المتقدمة. وكشهادة على الجهود التي تبذلها دولة الإمارات في مجال البنية التحتية الرقمية، استعرض موقع «بلومبيرج» مظاهر تصدُّر دولة الإمارات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشغيل مراكز البيانات، وبما يهدف إلى تعزيز مكانتها قوة إقليمية وعالمية في مجالي الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. وتعدُّ مراكز البيانات الموقع الذي تخزَّن فيه المعلومات الرقمية التي تحتاجها القطاعات الحيوية، ما يجعل منها عنصراً محوريّاً في تحقيق أولويات الإمارات الوطنية، وتتسم دولة الإمارات تحديداً بأسعار مستقرة للطاقة، الأمر الذي يمنحها ميزة عالمية تنافسية في احتضان مراكز البيانات الضخمة المستهلكة للكهرباء.
ومع نهاية عام 2023، كان لدى الدولة 235 ميجاوات من سعة مراكز البيانات، وفقاً لتقرير شركة «دي سي بايت» البريطانية، كما تخطط دولة الإمارات لزيادة هذه السعة بمقدار 343 ميجاوات، خلال الأعوام القليلة المقبلة، كخطوة استراتيجية لتعزيز بنيتها التحتية الرقمية، وتوفير أحدث الخدمات الذكية للشركات المحلية والدولية. وبدأت دولة الإمارات بناء أولى مراكز بياناتها منذ أكثر من عقدين من الزمن كجزء من مبادرة مدينة دبي للإنترنت، وهو أحد الأسباب التي أسهمت بصورة مبكرة في منح الدولة صدارة إقليمية في هذا المجال. ومن إيجابيات إنشاء مراكز البيانات داخل الدولة سهولة توفير الخدمات المتقدمة للشركات، وتطوير قطاع خدمات البيانات محليّاً، وبما يسهم في دفع عجلة الاقتصاد.
وعلى صعيد البعد الجيوسياسي، هناك أهمية خاصة لاستيعاب خوادم البيانات داخل الإمارات كتوجُّه يخدم السيادة الرقمية، ويجعل الأطر التنظيمية للبيانات تحت إشراف جهات محلية، ومن دون تدخل أي جهات خارجية. وعلى الرُغم من القيمة الكبيرة التي تسهم بها مراكز البيانات ضمن حلول الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي، فإن ارتفاع درجات الحرارة يمثِّل تحدياً صعباً لتشغيلها بكفاءة وفاعلية.
ومع ذلك، نجحت دولة الإمارات رغم الظروف المناخية الصعبة في تبنِّي الوسائل المتقدمة في تبريد مراكز البيانات وضمان خفض درجات حرارة الخوادم فيها لتفادي أي أعطال فنية محتملة، كما تجاوزت الدولة التحديات المتعلقة بنقص الكفاءات البشرية في مجال مراكز البيانات في ظل الندرة العالمية للأيدي العاملة الخبيرة في المجال، وأصبحت الإمارات بفضل السياسات الحكومية الاستشرافية مركزاً لتدريب الكفاءات المحلية ضمن هذه المراكز، وبيئة جاذبة للخبراء وشركات الأعمال بعد نجاحها في توفير معايير البنى التحتية الرقمية التي تنافس في مستوياتها أفضل مراكز البيانات العالمية.
إن ما حققته دولة الإمارات في مجال مراكز البيانات يأتي ترجمةً لرؤية قيادتها الرشيدة، والتي تولي دائماً أهمية خاصة لتأسيس بنية تحتية رقمية عالية الجودة، كونها محركاً اقتصاديّاً لجميع القطاعات الحيوية، وداعماً أساسيّاً للتحول الرقمي، وبما يُسهم في خدمة الأهداف الوطنية بأن تكون الإمارات قوة عالمية ضمن موضوعات الذكاء الاصطناعي، وغيره من التكنولوجيات المتقدمة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.