يمثل الحفاظ على التراث التاريخي ركيزة أساسية في نهج دولة الإمارات لترسيخ هويتها الوطنية، وهو النهج الذي وضع أسسه المغفور له القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وتولي قيادتنا الرشيدة ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أهمية كبيرة لتعزيز الجهود الخاصة بالحفاظ على التراث وصونه للأجيال المقبلة، كجزء أساسي من مساعي الدولة المتواصلة لدعم خصوصيتها التاريخية والحضارية.
وقد أكد صاحب السمو رئيس الدولة في العديد من المناسبات، على أهمية البرامج والمبادرات والفعاليات الثقافية والتراثية في حفظ التراث الوطني وتعزيز دوره في دعم مقومات الهوية الوطنية، كما يظهر في قول سموه «التراث بجوانبه المادية والمعنوية، يُعد ركناً أساسياً من أركان الهوية الوطنية الإماراتية، وأحد عناصر قوة المجتمع وتحصينه».
وفي ظل تواصل هذه الفعاليات، فقد انطلقت في 15 يوليو الجاري الدورة 20 من مهرجان ليوا للرطب، تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، في مدينة ليوا بمنطقة الظفرة، وتستمر هذه الدورة حتى 28 من الشهر نفسه.
ويشهد هذا المهرجان السنوي الذي تنظمه هيئة أبوظبي للتراث، منافسات واسعة بين مزارعي النخيل وحضوراً كبيراً من الزوار، وتتنوع فيه الجوائز للأصناف المنتخبة من الرطب، إضافة إلى مسابقات أخرى خاصة بالفواكه كالمانجو والتين، ومسابقة للمزارع النموذجية.
وتجدر الإشارة إلى أن للتمور أهمية اقتصادية خاصة في دولة الإمارات، ووفق التقرير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، جاءت دولة الإمارات ضمن أكبر الدول المصدرة للتمور في عام 2021، لتحل في المرتبة الثالثة عالمياً بتصدير 261.42 ألف طن، بلغت قيمتها نحو 998 مليون درهم.
وقد أَسَّست دولة الإمارات مراكز بحوث علمية لرعاية وتطوير زراعة النخيل، من أهمّها قِسم تطوير بحوث النخيل في جامعة الإمارات العربية المتحدة، الذي يحوي عدداً من المختبرات المتخصّصة في زراعة النخيل وأبحاثها، تنتج شتلات نخيل التمر النسيجية، وفق أرقى المعايير والمواصفات العالمية. ولدى الإمارات كذلك «جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي»، وهي جائزة مستقلّة ومحايدة تُمنح سنوياً للعلماء والمنتجين البارزين والشخصيات والمؤسسات المؤثرة، التي أسهمت في مجال الأبحاث والتنمية الخاصة بالقطاع الزراعي ونخيل التمر، بهدف تعزيز الابتكار الزراعي وتشجيعه، ودراسات أبحاث نخيل التمر وانتشارها في العالم، وكانت لهذه الجائزة عدد من الإسهامات، منها على سبيل المثال لا الحصر، إطلاقها مبادرتين بيئيتين خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «كوب27» في مدينة شرم الشيخ المصرية، وهما مبادرة «النُّظم البيئية الإقليمية المتجددة»، ومبادرة «المحافظة على واحات النخيل».
وفي الواقع، فإن اهتمام دولة الإمارات بزراعة النخيل يندرج ضمن اهتمامها بملف الأمن الغذائي، الذي يحظى بأولوية استراتيجية، وتتوالى توجيهات القيادة الرشيدة بضرورة الاهتمام بالزراعة والإنتاج الزراعي، ويعود هذا الاهتمام إلى عدة سنوات خلت، ففي عام 2018 تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، من أجل تطوير منظومة وطنية شاملة لإنتاج الغذاء المستدام، بحيث تكون بلادنا الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، بحلول عام 2051.
وفي إطار حرص دولة الإمارات على تعزيز الجهود العالمية لتحقيق الأمن الغذائي، ستستضيف أبوظبي للمرة الأولى في شهر نوفمبر المقبل القمة العالمية للأمن الغذائي، بهدف دعم الجهود الدولية للقضاء على الجوع، وتعزيز مكانة الدولة كمركزٍ لإدارة الحوارات والنقاشات والمبادرات في مجال الأمن الغذائي العالمي. إن مهرجان ليوا للرطب، الذي يندرج ضمن الجهود المستمرة للحفاظ على التراث الوطني، يعكس في الوقت نفسه جانباً من الاهتمام الخاص لدولة الإمارات بقطاع الزراعة لتعزيز الأمن الغذائي ودعم الناتج المحلي الإجمالي.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.