قَلَبت كتلة تحالف «الجبهة الشعبية الجديدة» اليسارية الانتخابات الفرنسية في الجولة الثانية على حساب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد، فهذا الفوز وإن كان من دون أغلبية في النظام الفرنسي الذي تتداخل فيه صلاحيات رئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء يقدم الكثير في مستقبل أوروبا على عكس حصول حزب «العمال» البريطاني على غالبية مقاعد مجلس «العموم» في نظام ملكي برلماني.
من الغرابة بأن حزب «العمال» وزعيمهُ «كير ستامر» ليس له صلة قوية بمسار «اليسار»، بل هو أقرب إلى الحزب «الديمقراطي» الأميركي، فهذا الفوز لحزب «العمال» البريطاني لم يعكر صفو الشركات المتعددة الجنسيات وحرية الأموال والرأسمالية، حيث «كير ستامر»- رئيس وزراء بريطانيا حاليا يمضي على مسار النيو الليبرالية، والتي بدأت بمعارضة داخلية مشهودة مع المرأة الحديدية الراحلة مارجريت تاتشر رئيسة الحكومة البريطانية عن حزب «المحافظين»، فالنيوليبرالية تعلي من الرأسمالية وتعزز من نفوذ الشركات والخصخصة بعيداً عن سيطرة وقيود الدولة ومعايير العدالة الاجتماعية على عكس الليبرالية التقليدية السياسية التي تعلي من الحرية والعدالة الاجتماعية مع وجود تدخل وعناية وسيطرة من قبل الدولة.
فحزب «العمال» البريطاني بهذا المسار لن يقدم الكثير في مسألة البطالة ومستويات الفقر وتوفر الخدمات الصحية، ويبقى السؤال كيف سيستطيع «ستامر» جذب الاستثمارات والأموال لرفع النمو الاقتصادي ومستويات السياسة العامة الداخلية. وإلى فرنسا، فقد استطاعت الكتلة اليسارية بزعامة اليساري المخضرم جان لوك ميلينشون من الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية رغم أن الفوز لا يتيح أغلبية، وذلك تم من خلال تحالف ميلينشون وحزبهُ اليساري «فرنسا الأبية» مع حزب «الخضر» و«الاشتراكيين» والشيوعيين، ومن أسباب الفوز إقبال الفرنسين بمختلف أجيالهم لوقف مد اليمين المتشدد في فرنسا والذي سيؤثر على القارة الأوروبية بأكملها.
بعد تصدر تحالف اليسار «الجبهة الشعبية الجديدة» وحلول معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون الليبرالي بالمرتبة الثانية، تاركين التجمع الوطني اليميني في المرتبة الثالثة، فإن عدم وجود أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية- البرلمان الفرنسي، سيترتب عليه وجود لقاءات ومحاورات معقدة لتشكيل الحكومة المقبلة الائتلافية، ومن الأمور المهمة والصعبة في فرنسا هي ضبط الميزانية، حيث يهدف التحالف اليساري إلى التراجع عن إصلاحات ماكرون لنظام التقاعد وهو بالمناسبة أحد أهداف التجمع الوطني اليميني، وهناك توجهات داخلية للحد من البطالة وتغيير بعض السياسات كالحريات إلى جانب السياسة الخارجية، وجدير بالذكر بأن هذا الفوز يضع عين الكتلة الشعبية على منصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2027.
يبدو الحراك والعملية السياسية الانتخابية في بريطانيا لا تقدم الكثير أمام عدم القدرة على تحسين مستويات الوضع الداخلي من الخدمات، فجذب الاستثمارات لا بد له من إعادة خلق علاقات سياسية واقتصادية مع دول وحكومات كثيرة ومنها كتلة الاتحاد الأوروبي، في حين أن الانتخابات الفرنسية تقدم مساراً قد يتكرر في أنحاء أوروبا لمنع اليمين المتشدد الأوروبي والفاشية من وأَد الديمقراطية والليبرالية الغربية.
*كاتب ومحلل سياسي