تتسم العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إندونيسيا بعمق وتنوع يعكسان التزام البلدين بتعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك الثقافية والدينية والعلمية. ويعتبر التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وإندونيسيا في هذه المجالات محوراً أساسياً لتعزيز الروابط الثنائية ولتحقيق التنمية المستدامة، مما يجعله نموذجاً يحتذى به في العلاقات الدولية.

وتمثل الثقافة جسراً يربط بين الشعوب، وفي هذا الإطار تعمل الإمارات وإندونيسيا على تعزيز التبادل الثقافي بينهما. فالإمارات بتنوعها الثقافي، إذ تستضيف على أرضها أكثر من 200 جنسية، تمثل نموذجاً للتعايش السلمي والتسامح. ومن جهتها، تتميز إندونيسيا بتعددها العرقي والديني، مما يجعلها هي كذلك نموذجاً يحتذى به في التسامح والتعايش. من أبرز مظاهر التعاون الثقافي بين البلدين تنظيم الفعاليات الثقافية المشتركة، مثل المعارض الفنية والمهرجانات الثقافية التي تسهم في تعزيز الفهم المتبادل بين الشعبين وتتيح الفرصةَ لاستكشاف التراث الثقافي لكل بلد. كما تشجع هذه الفعاليات على تبادل الزيارات بين الفنانين والمثقفين، مما يسهم في إثراء المشهد الثقافي في كلا البلدين ويعزز الروابط الثقافية. ويلعب الدين دوراً محورياً في العلاقات بين الإمارات وإندونيسيا، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز قيم الإسلام المعتدل والمتسامح.

وتتجلى جهودهما بهذا الشأن في العديد من المبادرات المشتركة التي تهدف إلى مكافحة التطرف وتعزيز التسامح الديني. في عام 2023، تم افتتاح جامع الشيخ زايد الكبير في مدينة سولو الإندونيسية، والذي يعد نسخة طبق الأصل من جامع الشيخ زايد في أبوظبي. وهو صرح يعكس العلاقات الوثيقة بين البلدين ويجسد قيم العطاء والتكافل الاجتماعي. كما يسهم هذا الجامع الكبير في نشر قيم التسامح والتعايش السلمي من خلال استضافته العديدَ من الفعاليات الدينية والثقافية.. ضمن مبادرات كثيرة تسهم في تعزيز الحوار الديني وتأكيد القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين. ويمثل التعاون العلمي جانباً مهماً في العلاقات الثنائية بين الإمارات وإندونيسيا، حيث يهدف هذا التعاون إلى تعزيز البحث العلمي وتبادل المعرفة والتكنولوجيا بين البلدين. وفي هذا السياق، تم وضع حجر الأساس لكلية محمد بن زايد للدراسات المستقبلية في يوجياكارتا بجزيرة جاوا، في فبراير 2023. وتهدف هذه الكلية إلى تعزيز فرص التعليم العالي في مجال الدراسات المستقبلية والعلوم الإنسانية، وتعكس التزام البلدين بنشر قيم التسامح والتعايش والاستدامة.

ويشكل هذا المشروع بدوره ركيزةً أساسية لتطوير التعاون العلمي والبحثي بين البلدين. وتعمل الإمارات وإندونيسيا على تعزيز التعاون في مجالات التعليم والبحث من خلال تبادل البعثات الطلابية والبحثية. وهو تعاون يتمثل في تقديم منح دراسية للطلاب الإندونيسيين للدراسة في الجامعات الإماراتية، وكذلك استقبال الطلاب الإماراتيين في الجامعات الإندونيسية. ويسهم هذا التبادل في تعزيز الفهم المتبادل ونقل المعرفة بين البلدين.

وتتعاون الإمارات وإندونيسيا في تنفيذ مشروعات بحثية مشتركة تهدف إلى مواجهة التحديات العالمية، مثل التغير المناخي والأمن الغذائي والطاقة المتجددة.. وهي مشروعات تسهم في تعزيز القدرة البحثية للبلدين وفي تطوير حلول مستدامة للتحديات التي تواجهها المنطقة والعالم. في مايو 2023، أعلنت دولة الإمارات عن إنشاء «مركز محمد بن زايد - جوكو ويدودو لأبحاث القرم» في جزيرة بالي، وهو مركز يهدف إلى حماية النظم البيئية الساحلية وتعزيز الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.. وإلى ذلك فهو يعكس التزام البلدين بدعم الاستدامة البيئية وتعزيز التعاون البيئي.

هذه المبادرات المشتركة تعكس رؤى البلدين في تحقيق تنمية مستدامة تحافظ على البيئة للأجيال القادمة. تمثل علاقات التعاون بين الإمارات وإندونيسيا في المجالات الثقافية والدينية والعلمية نموذجاً يحتذى به في تعزيز التعاون الثنائي وتحقيق التنمية المستدامة، كما تعكس رؤية البلدين في بناء مستقبل قائم على التفاهم والتعايش السلمي والتعاون في مواجهة التحديات العالمية. من خلال تعزيز التبادل الثقافي والديني والعلمي، تسهم الإمارات وإندونيسيا في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم، وتقيمان علاقة متينة توفر فرصاً جديدة للتعاون والنمو في المستقبل، مما يجعلها نموذجاً يحتذى به في العلاقات الدولية المعاصرة.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة