تسعى الدول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17 المتفق عليها عام 2015، لمعالجة التحديات الإنمائية الكبرى بالقضاء على الفقر والجوع، وتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وترشيد استخدام الموارد وحفظ الموارد الطبيعية من أجل الأجيال القادمة، لكن يبدو أن العالم ليس قريباً من تحقيق تلك الأهداف بحلول 2030.

وفي تقدير الأمم المتحدة 2024، العالم ما زال بعيداً عن المسار الصحيح لتحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة، والأخطر أنه لا يوجد أي هدف من الأهداف في طريقه للتحقق بحلول 2030، إذ أظهرت معظم الأهداف «تقدماً محدوداً أو تراجعاً»، بعدما كان التقدم بطيئاً قبل تفشي كورونا، لكن بعد الجائحة والصراعات المسلحة، انتقلنا إلى الركود، وبالفعل فشل العالم في تأمين السلام ومواجهة تغير المناخ، ولم يحقق النجاح سوى في 17% فقط من أهداف التنمية المستدامة، خاصة في الحد من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، وزيادة الوصول إلى الإنترنت، والاستخدام «المتنامي» لمصادر الطاقة المتجددة.

إن تأثير الأزمات الدولية والحروب في أوكرانيا وغزة وتداعيات وباء كورونا، كشفت ضعف مسار التنمية المستدامة، إذ خفضت كورونا مستوى التنمية البشرية في جميع أنحاء العالم لعامين، وأثرت حرب أوكرانيا على سلاسل الإمداد، وأسهمت في ارتفاع الأسعار، ويتطلب إعمار غزة الآن مليارات الدولارات، فيما يهدد مسارات التصدي للتغير المناخي ويضعف الإنتاج الغذائي، وقد تدمر الكوارث الطبيعية البنية التحتية وتقضي على الناس. ويواجه العالم في تحقيق التنمية المستدامة أزمة التمويل الدولي، والبلدان النامية في المقدمة، إذ ترغب في إنهاء الفقر والجوع، وتوفير التمويل ميسور التكلفة، بما يشكل دفعة قوية في التنمية والاستثمار في الوظائف والتعليم والصحة وتطوير البنية التحتية وسد الفجوة الرقمية وإنتاج الطاقة المتجددة، لكن ردم الفجوة بين احتياج الدول والمستوى المطلوب من التنمية بعيد المنال، فالتقديرات تشير إلى أن التمويل الدولي ينبغي أن يتراوح بين 3 و4 تريليونات دولار لتحقيق التنمية المستدامة في كل الدول، لكن الواقع لا يتجاوز بضعة مليارات. في مقدمة الدول التي تحقق أهداف التنمية المستدامة، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، جاءت فنلندا والسويد والدنمارك، وتقدمت الصين أسرع من المتوسط، لكن الدول الأكثر فقراً في العالم تراجعت كثيراً، ومن ناحية استعداد الدول للتعاون العالمي، فإن الغالبية العظمى من الدول تدعم التعاون، لكن الولايات المتحدة، الدولة الكبرى التي تمتلك القدرات الهائلة، لا تدعم التعاون الدولي في تحقيق الأهداف.

ولا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، الطموحة، إلا بالتعاون الدولي، إضافة إلى الالتزام الفردي، لأن تسريع التقدم نحو تحقيق الأهداف يتطلب العمل على كل المستويات، من خلال تسخير القوة الجماعية للإنسانية لبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً للجميع، ويعتمد نجاحنا في أهداف التنمية المستدامة على قدرتنا على التعاون الدولي في السعي لتحقيق رؤية مشتركة لعالم أفضل. إن التنمية المستدامة حلقة وصل بين الجيل الحالي والجيل المقبل، وضمان لاستمرارية الحياة الإنسانية بقدر من العيش الكريم والتوزيع العادل للموارد وتقليص الفجوات بين الإنسان في الدول المتقدمة والنامية.

والفشل في مضاعفة الجهود من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة قد يأتي بأضرار حالية ومستقبلية على الاقتصادات والمجتمعات، وأمام العالم أولويات قد تأتي بنتائج تدفع إلى الأمام، أولها السلام في كل بقاع العالم، وتحول الإنفاق من الحروب إلى الاستثمار في الإنسان والسلام، مع التحولات الخضراء والرقمية، وتسهيل التمويل للبلدان النامية، واستغلال كل فرصة للتعاون الدولي، وإلا فإن احتمالات تخلفنا عن تحقيق الأهداف، في 2030، ستتعاظم.

* باحثة ورئيسة قسم التطوير والتأهيل- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.