تتعرض خطط فرنسا للتوسع في الطاقة المتجددة والابتعاد عن الوقود الأحفوري للتهديد من قبل الحزب القومي اليميني المتشدد بزعامة «مارين لوبان»، والذي فاز في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية، ومن المحتمل أن يفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية التي ستجرى مرحلتها الثانية يوم 7 يوليو ويتخلى عن السياسات البيئية الرئيسية. واستغلالاً للغضب بين بعض الناخبين من أن سياسات المناخ تضر بمحافظهم وحريتهم في الاختيار، تعهد حزب «التجمع الوطني» بزعامة لوبان بالتراجع عن البنود الرئيسية للصفقة الخضراء التاريخية للاتحاد الأوروبي.

ومن الممكن أن يهدد انتصار الحزب المَرافق ومطوري مصادر الطاقة المتجددة وصانعي التوربينات ومصنعي بطاريات السيارات، مما يضع فرنسا على مسار تصادمي بشأن التزاماتها الخضراء تجاه شركائها في الاتحاد الأوروبي. وقال «جان فيليب تانجوي»، المسؤول عن منصة الاقتصاد والطاقة في حزب «التجمع الوطني»: «نريد وقف السياسات الخضراء العقابية. لا نريد التخلي عن خطة الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، بل نريد تحقيقه بوسائل أخرى».

إذا قام حزب «التجمع الوطني» بتشكيل الحكومة المقبلة، فسيعمل على وقف تطوير طاقة الرياح، ويتخلى عن الحظر المفروض على بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل المقرر لعام 2035، ويخفف متطلبات تجديد المساكن، ويحد من خطط استبعاد المركبات الأكثر تلويثاً من المدن الكبيرة. وبدلاً من ذلك سيركز على بناء مفاعلات نووية جديدة ودعم تطوير الوقود النظيف مثل الهيدروجين. ومن شأن برنامج السياسة هذا أن يشكل تحولاً هائلاً في أولويات الطاقة لدى ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

وكان الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يحتل حزب «النهضة»، الذي يتزعمه حالياً المركز الثالث بفارق كبير في استطلاعات الرأي الأخيرة، قد وضع خريطة طريق طموحة لكل شيء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية إلى السيارات الكهربائية وتجديد المباني وغازات الدفيئة. والآن أصبح كل ذلك غير مؤكد. وقال نيكولا روشون، الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الصناديق «ريجرين إنفست» RGreen Invest: «جميع الشركات المدعومة والتي لها تأثير على السكان، مثل طاقة الرياح، ستكون في خطر كبير. إذ سيؤدي هذا إلى كبح وتيرة المشاريع الجديدة». وكان المستثمرون، الذين يشعرون بالفزع من التأثير الاقتصادي الأوسع نطاقاً لانتصار التجمع الوطني المحتمل، يبيعون أسهم الطاقة الفرنسية. ونتيجة لذلك، انخفضت أسهم مرافق الطاقة والغاز «إنجي إس إيه» Engie SA وشركة تطوير الطاقة المتجددة «فولتاليا إس إيه» Voltalia SA أكثر من معظم الأسهم الأخرى المتداولة في باريس في الأسابيع الأخيرة. تعهد الساسة الشعبويون في جميع أنحاء العالم، من دونالد ترامب في الولايات المتحدة إلى نايجل فاراج في المملكة المتحدة، بالتراجع عن السياسات منخفضة الكربون والتقليل من أهمية تغير المناخ قبل الانتخابات الرئيسية.

ويبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة، حيث تكبدت الأحزاب السياسية الخضراء خسائر كبيرة في الانتخابات الأوروبية في وقت سابق من هذا الشهر. وفي فرنسا، اكتسب حزب «التجمع الوطني» بزعامة لوبان شعبية أكبر على خلفية قلق الناخبين بشأن ارتفاع فواتير الغاز والكهرباء نتيجة للحرب في أوكرانيا. وتعهد «التجمع الوطني» بتخفيض ضريبة القيمة المضافة على البنزين والغاز الطبيعي ووقود التدفئة والكهرباء. وقال تانجوي إن تكلفة ذلك، التي تقدر بنحو 14 مليار يورو (15 مليار دولار)، سيتم تمويلها جزئيا من خلال ضريبة مؤقتة على الأرباح المفاجئة لشركات الطاقة وخفض الدعم لمصادر الطاقة المتجددة. وانتقدت جماعة الضغط التجارية «ميديف» ذات النفوذ في فرنسا برامج الحملات الانتخابية لكل من اليمين المتشدد وتحالف الأحزاب اليسارية، قائلة، إنها تشكل خطراً على الاقتصاد. وقال معهد «مونتين» للأبحاث، إن تنفيذ خطط لوبان سيكلف حوالي 100 مليار يورو.

وترى «بلومبرج إيكونوميكس» أنه أياً كان الفائز في الانتخابات، فإن الاتجاه سيكون هو اقتراض المزيد، وأن خطط «التجمع الوطني» قد ترفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 121.5% في عام 2027 مقابل 110.6% في عام 2023 - في انتهاك للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي. وفي حديثه مع ميديف يوم الخميس، اعترض «جوردان بارديلا» رئيس حزب «التجمع الوطني» على تقديرات الـ 100 مليار يورو، قائلاً إن إجراءات الحزب «سيتم تنفيذها» على مدار فترة من الوقت، اعتماداً على الوضع المالي والاقتصادي. سيكون أعظم تغيير في السياسة الخضراء نتيجة لفوز حزب «التجمع الوطني» في الرياح، التي تمثل نحو 10% من إنتاج الطاقة في فرنسا. إذ يخطط ماكرون لمنح الدعم المالي لتوسعة كبيرة، وإضافة حوالي 1.5 جيجاوات من مشاريع الرياح البرية سنوياً، وطرح عطاءات لشراء ما يقرب من 16 جيجاوات من التوربينات البحرية بحلول نهاية عام 2026. يقول تانجوي، إن فرنسا لا تحتاج إلى المزيد من طاقة الرياح. وأوضح أن مزيج الكهرباء في البلاد خالٍ من الكربون بالكامل تقريباً، حيث يأتي حوالي 90% منه من الطاقة النووية والمائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، بل إنه سيزيل عدداً محدوداً من التوربينات «القبيحة» في المناطق السياحية الشهيرة. وأضاف «تانجوي» أن حزب «لوبان» سينهي أيضاً دعم مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة التي تستخدم الألواح الصينية، بينما يدعم بناء المعدات الكهروضوئية في فرنسا. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى إبطاء التطورات بشكل كبير لأن أوروبا لم تعد تنتج الألواح الشمسية إلا بالكاد، كما أن مشاريع بناء مصنعين في فرنسا لم تبدأ بعد.

وفيما يتعلق بالطاقة النووية، قال «تانجوي» إن «التجمع الوطني» سيدعم بناء 20 مفاعلاً بحلول عام 2045، أي أكثر مما يتراوح بين 6- 14 محطة نووية جديدة يريد ماكرون أن تبنيها شركة كهرباء فرنسا المملوكة للدولة. وأضاف «تانجوي» أن تكلفة ذلك سيتم تعويضها جزئياً من خلال التوفير في استثمارات شبكات الطاقة بفضل التباطؤ في توصيلات الشبكة الجديدة لمصادر الطاقة المتجددة.

ويشعر بعض المستثمرين، مثل «تيري ديو»، الرئيس التنفيذي لشركة «ميريديام ساس»، التي استثمرت أكثر من 22 مليار دولار في أصول البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، بالتفاؤل بأن التوسع في الطاقة النظيفة سيستمر في فرنسا. وقال ديو: «لا أؤمن بتباطؤ الاستثمارات في تحول الطاقة». وأضاف: «أنا أيضاً لست قلقاً بشأن الصفقة الخضراء الأوروبية». وقال روشون، إن تطورات الطاقة النظيفة ازدهرت في ظل الحكومات اليمينية المتشددة في إيطاليا والمجر وبولندا. ومع ذلك، قال، إن شركة «ريجرين» ستوقف مؤقتاً أي استثمارات معرضة للخطر بشكل كبير لفرنسا لمدة ثلاثة أشهر.

فرانسوا دي بوبي*

*صحفي لدى بلومبيرج يغطي شركات الطاقة الفرنسية.

نايلة رزوق**

**صحفية لدى بلومبيرج تغطي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست ويلومبيرج نيوز سيرفس»