كان الجو مشبعاً بالبخار في أواخر شهر يوليو، قبل 21 عاماً. وتصاعد الدخان من أعلى منصة مراقبة في البرج. كانت موجة حر تاريخية تتجمع، وبحلول الوقت الذي بلغت ذروتها خلال الأسابيع القليلة التالية، لم يكن المبنى الأكثر شهرة في باريس هو الضحية الوحيدة، إذ توفي نحو 15 ألف شخص في فرنسا في ذلك الصيف، الكثير منهم من الباريسيين كبار السن.

ليس هناك الكثير من أجهزة تكييف الهواء في باريس، ليس بالمعايير الأميركية على أي حال. إذ إن عدداً قليلاً من المباني السكنية الباريسية بها تكييف مركزي. وفي كثير من الأحيان، لا تتناسب وحدات التكييف الصندوقية مع النوافذ التي تفتح مثل الأبواب. وحتى مع ارتفاع درجات الحرارة في فصول الصيف الأخيرة - حيث وصلت درجة الحرارة إلى 108 درجة فهرنهيتية قبل خمس سنوات – لا يزال الباريسيون صامدين، ينظرون إلى تكييف الهواء باعتباره تساهلاً كبيراً للمناخ يفضله بشكل أساسي الأميركيون المتذمرون. لذا، لا ينبغي لنا أن نتصور أن القسوة أو خفض التكاليف هي التي دفعت منظمي دورة الألعاب الأوليمبية في باريس هذا الصيف،(المقرر تنظيمها من 26 يوليو 2024 – 11 أغسطس 2024 إلى بناء مساكن من دون مكيفات هواء لنحو 15 ألف رياضي ومسؤول متوقع وصولهم خلال الشهر المقبل، بالإضافة إلى تسعة آلاف رياضي بارالمبي من المقرر أن يصلوا في أغسطس.

لقد كان الأمر مقصوداً تماماً، وهم الآن يواجهون رد الفعل السلبي. بعد أن رأت السلطات الرياضية الأميركية أن درجات الحرارة المحتملة في الأماكن المغلقة في القرية الأولمبية غير مناسبة للرياضيين، قامت بإحضار وحدات تكييف الهواء الخاصة بها لمئات المتنافسين والمسؤولين الأميركيين الذين سيحضرون ويشاركون في الألعاب. وكذلك الحال بالنسبة للدول الأخرى، بما في ذلك أستراليا، التي لديها فكرة عن حرارة الصيف. وقد توصلوا إلى أن نظام التبريد صديق للبيئة في القرية الأولمبية، الذي يعتمد على دوران الرياح والمياه المسحوبة من أعماق الأرض، غير مناسب لهذه المهمة. وهم مقتنعون بأن الرياضيين من الطراز العالمي يحتاجون إلى أماكن أكثر راحة. ويصر مصممو القرية على أن نظام تكييف الهواء «الطبيعي» الخاص بهم سيمنع درجات الحرارة من الارتفاع إلى أكثر من 80 درجة فهرنهيتية في معظم الشقق، معظم الوقت.

إن مشروعهم ليس مخصصاً للألعاب فحسب، بل على المدى الطويل؛ وبعد عودة الرياضيين إلى منازلهم، من المقرر أن يصبح الموقع الذي تبلغ مساحته 125 فداناً خالياً من الكربون ويضم شققاً ومكاتب ومتاجر. أما المشكلة على المدى القصير - أي مشكلة الأولمبيين - هي أن الشقق التي يسكن فيها الرياضيون مصممة لتكون مريحة إلى حد ما، بافتراض أن الطقس الصيفي «طبيعي».

وكما تبين لنا جميعاً، لم يعد هناك شيء طبيعي عندما يتعلق الأمر بالطقس. في العام الماضي، عانت فرنسا في أواخر الصيف من الطقس الأكثر حرارة على الإطلاق. وقالت عمدة باريس، آن هيدالجو، العام الماضي وسط انتقادات للخطة: «أكنّ احتراماً كبيراً لراحة الرياضيين، لكني أفكر أكثر في بقاء الإنسانية». يذكر أن هيدالجو تولت منصبها في عام 2014. وكانت حملتها المثيرة للإعجاب تتلخص في جعل المدينة خالية من الكربون بحلول عام 2050، وهو برنامج طموح للغاية يتضمن تخصيص مئات الأميال من الممرات الجديدة للدراجات، وتوسعة هائلة في مناطق المشاة والمناطق الخضراء، ما يعد كابوساً للأشخاص الذين ما زالوا يحتاجون للتجوال في جميع أنحاء المدينة. (اسأل سائق سيارة أجرة باريسي عن العمدة، وأعد نفسك لحديث صاخب سيستمر طوال مدة رحلتك.) وهيدالجو، التي تفتخر بأن دورة الألعاب الأولمبية في باريس ستكون الأكثر خضرة على الإطلاق، كانت أيضاً من بين الداعمين الرئيسين للمقامرة البيئية الجريئة الأخرى (التي ربما تكون مجنونة) في الألعاب: خطة لتنظيم بعض فعاليات الألعاب المائية في نهر السين. لقد كانت مياه النهر سامة للغاية بالنسبة للسباحين الباريسيين لمدة قرن من الزمان. ولكن عملية التنظيف الأوليمبية، التي بلغت تكلفتها 1.5 مليار دولار، تتضمن تشييد حوض لتخزين مياه الأمطار بسعة 50 ألف متر مكعب تحت الأرض في العاصمة الفرنسية. وأعلنت عمدة المدينة قبل أشهر أنها ستتخذ القرار بنفسها. وستُظهر للعالم ما حققته الهندسة الفرنسية من عجائب.

 وقبل أيام قليلة من موعد السباحة المقرر لها، قامت العمدة بتأجيلها بحكمة، حفاظاً على ماء الوجه. تعد القرية الأولمبية غير المكيفة وتطهير نهر السين بمثابة حكايات تحذيرية. وفي كلتا الحالتين، سعت السلطات إلى إيجاد السبل التي تمكنها من التغلب على الضرر الذي ألحقه الإنسان بكوكب الأرض: الكربون الذي أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء، والملوثات التي تلوث الأنهار. كلا المشروعين بمثابة رهانات شجاعة. وكلاهما يخضع لتقلبات الكوكب المناخية.

ربما لا تزال دورة الألعاب الأوليمبية في باريس تشهد بعض فترات الراحة من التقلبات الجوية من الآن وحتى حفل الافتتاح في 26 يوليو. وفي هذه الأثناء، فإنني أحيي جرأة منظمي دورة الألعاب.

*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»