يُعد البحث العلمي، وتحويل العلوم من المختبرات إلى منتجات وخدمات، قوة ناعمة لا يُستهان بها، تماثل القوى الناعمة الأخرى، مثل الاستدامة والتوازن بين الجنسين؛ إذ تسهم في تعزيز مكانة الدول على الساحة العالمية، وتحقيق التنمية المستدامة.

والبحث العلمي هو العنصر الأساسي الذي يقود الابتكار والتطوير، وبه يمكن تحويل الأفكار والمفاهيم إلى حلول عملية تلبي احتياجات المجتمع، وتساعد على تحسين جودة الحياة. وأهم عاملين في البحث العلمي هما إنتاج المعرفة الوطنية، والربحية الاقتصادية؛ فإنتاج المعرفة الوطنية هو عملية تشمل ثلاث مراحل رئيسية: نقل المعرفة، واستيعاب المعرفة، ثم إنتاج المعرفة الوطنية بأيدي المواطنين والمقيمين من دون الحاجة إلى الاستيراد المعرفي، أو الاعتماد على جهات غير وطنية.

وتضمن هذه المراحل الثلاث أن تكون المعرفة المكتسبة جزءاً من النسيج الوطني؛ ما يعزز استقلالية الدولة، ويقلل اعتمادها على الخارج في المجالات الحيوية. نقل المعرفة هو الخطوة الأولى، ويكون عن طريق التبادل العلمي والتكنولوجي مع الدول والمؤسسات الرائدة. وتتطلب هذه المرحلة إقامة شراكات استراتيجية، وتبادل الخبرات؛ ما يسهم في تعزيز القدرات الوطنية. أمَّا استيعاب المعرفة؛ فيستدعي تطوير القدرات المحلية؛ لتكون قادرة على استيعاب التكنولوجيا والمعرفة الجديدة، وتكييفها وفقاً للظروف المحلية.

في حين أن إنتاج المعرفة الوطنية يستلزم بناء منظومة بحثية قوية تدعم الإبداع والابتكار، وتعزز قدرة المواطنين والمقيمين على إنتاج المعرفة بأنفسهم. أمَّا الربحية الاقتصادية؛ فهي ضرورية لضمان الاستمرارية والاستدامة؛ وتتحقق عن طريق براءات الاختراع، وتأسيس شركات ريادة الأعمال التي تستفيد من الابتكارات العلمية والتكنولوجية.

ويتطلب ذلك مهارات تسويقية إلى جانب المهارات العلمية؛ ولذا يجب تدريب الكوادر الوطنية في البحث العلمي على هذه المهارات. ويضمن الجمع بين العلم والتسويق تحويل الابتكارات إلى منتجات وخدمات تجارية تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. ويعزز إنتاج المعرفة الوطنية، والربحية الاقتصادية، مفهوم استقلالية البحث العلمي؛ ما يجعل البحث العلمي قوة ناعمة مؤثرة في تعزيز الأمن المعرفي، وهو مفهوم ينبثق من أهمية إنتاج المعرفة الوطنية في تحقيق الاستدامة.

ويوازي الأمن المعرفي في أهميته الأمن الغذائي، والأمن المائي؛ إذ يُعد ضروريّاً لإنجاز أهداف التنمية المستدامة والازدهار الوطني على المستويَين العمراني والاقتصادي. وعن طريق الاستثمار في البحث العلمي، وإنتاج المعرفة الوطنية، يمكن للدول تحقيق استقلالية علمية تامة، وتعزيز قدراتها التنافسية على المستوى العالمي.

وإضافةً إلى ذلك، يمكن ترسيخ الثقافة العلمية والوعي بأهمية البحث العلمي بين أفراد المجتمع؛ ما يسهم في إيجاد بيئة داعمة للإبداع والابتكار؛ وهذه البيئة تُعد عاملاً أساسيّاً في تحقيق الأمن المعرفي، وتحفيز الأجيال المقبلة على المشاركة بفاعلية في تطوير المعرفة الوطنية.

*مستشار جمعية المهندسين الإماراتية