تمثل الثقافة أحد أبرز القطاعات التي تحتل فيها دولة الإمارات موقعاً بارزاً، مع تحوُّل الدولة إلى مركز ثقافي إقليمي وعالمي، تتفاعل فيه أحدث اتجاهات الفكر والمعرفة والإبداع، ويحتضن أبرز الفعاليات الثقافية العالمية النوعية التي تتسم بالشمول والتنوع، وتبْني أرضية راسخة للتقارب والتفاهم من خلال المشتركات الإنسانية ومساحات التلاقي الواسعة بين مختلف الثقافات والحضارات. وتتعزز هذه المكانة أكثر بما تقدمه دولة الإمارات من إسهامات فاعلة في دعم الجهود الدولية في مجال الثقافة، جعلتها مؤهلة لاحتلال مواقع مهمة في المنظمات الدولية المعنية.
فقد انتُخبت الدولة، الثلاثاء 11 يونيو 2024، عضواً في «اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي»، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للفترة 2024 -2028، وهذه هي المرة الثانية التي تحصل فيها دولة الإمارات على عضوية اللجنة. ويستند هذا الإنجاز الثقافي، الذي سبقته قائمة طويلة من الإنجازات المماثلة، إلى ما تحتله الثقافة من أهمية لدى القيادة الرشيدة للدولة، وما تقدمه لها من دعم غير محدود.
وتُعرِّف «اليونسكو» عناصر التراث الثقافي الإنساني غير المادي بأنها «كل ما يندرج تحت إطار التعبير الحيّ المتوارث من الأسلاف، مثل التقاليد الشفهية، وفنون الأداء، والممارسات الاجتماعية، والطقوس والمناسبات الاحتفالية، أو المعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية». ويتيح الاهتمام بهذه العناصر الحفاظ على الموروث الإنساني الثري في كل الحضارات والثقافات، وتأمُّل طاقاته وخصوصيته الإبداعية والجمالية، وما وراءه من أفكار ووجهات نظر ورؤى توارثتها الجماعات البشرية المختلفة عبر تاريخها.
كان فوز دولة الإمارات بعضوية اللجنة أمراً مُتوقعاً، فعلى صعيد مسؤولي «اليونسكو» توجد قناعة راسخة بقدرة الدولة على أداء دور كبير في صون التراث غير المادي، يظهر في قول ميرلا ميكوليسكو، رئيسة المؤتمر العام لليونسكو، خلال فعالية للمنظمة في منتصف مايو الماضي: «إننا إذ نحتفل برحلة تراث الإمارات غير المادي، نريد أن نضرب بها المثل في كيفية حماية هذا التراث أولاً، وصونه ثانياً قبل التفكير في تسجيله في قوائم اليونسكو..
تراث الإمارات الثقافي غير المادي يشكل مثالاً رائعاً على الاهتمام والجهود التي تبذلها الدولة في حفظ تاريخها وثقافتها». وعلى مستوى النظرة إلى دور الإمارات الثقافي من وجهة نظر دول العالم المختلفة، فإن فوز الدولة من خلال الانتخاب، يعكس الإجماع العالمي على تقدير إسهاماتها في خدمة الثقافة في العالم، والثقة في قدرتها على إحداث الفارق في كل الملفات التي تضطلع بها منفردة في المجال الثقافي، أو تشارك فيها مع دول أخرى، استناداً إلى إرادتها القوية للسير بالجهود الثقافية الدولية إلى الأمام، وتذليل كل العقبات التي تعترض طريقها، إلى جانب اتفاق العمل العالمي المشترك في المجال الثقافي مع قيم التسامح والتعايش واحترام التعددية التي تتبناها دولة الإمارات وتعمل من أجل نشرها في العالم. ويضاف إلى ما سبق، أن عضوية الدولة في لجنة التراث غير المادي، تستند إلى سجلها الغني في هذا المجال، إذ تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية في عدد العناصر المدرجة على قوائم اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، ومن بينها: العيالة، والعازي، والمجلس، والرزفة، والسدو، والتغرودة، والقهوة العربية، والصقارة. كما تتولى دولة الإمارات دوراً رائداً في مساعدة الدول العربية على تقديم ملفات مشتركة للتسجيل ضمن القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لدى «اليونسكو»، إذ وقعت وزارة الثقافة والشباب والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» اتفاقية بهذا الشأن في يناير 2021. كما وقعت الدولة مع «اليونسكو» اتفاقية في ديسمبر 2021، لإنشاء «المركز الدولي لبناء القدرات في مجال التراث الثقافي غير المادي» بالدول العربية في إمارة الشارقة، ليقود الجهود العربية في هذا المجال، وليؤكد الرسالة التي تُلزم بها الدولة نفسها، بتعزيز جهود حفظ التراث الثقافي العربي غير المادي، وتقديم صورة للعالم عن هذا الموروث الذي يمثل الشخصية العربية وقيمها الحضارية الضاربة في أعماق التاريخ.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.