أصبحت الصناعات اليدوية التقليدية في كثير من المجتمعات عرضة للاندثار والنسيان والإهمال، وعلى رأسها مجتمعات الدول الصناعية الكبرى، حيث غزت الآلة معظم مجالات النشاط الحياتي التي تمت مكننتها على نحو واسع لا رجعة فيه.

ومع ذلك فثمة دائماً مبادرات، فردية وجماعية، تُظهر حرصاً مجتمعياً على الحِرف والصناعات الفنية اليدوية المورثة من الأجيال السابقة. وممن يعتنقون همَّ ذلك الحرص ماري جاكسون التي نراها في الصورة، وهي منهمكة داخل منزلها في جزيرة جونز بولاية كارولاينا الجنوبية الأميركية، في تضفير سلة يدوية من الألياف، بينما بدت على الجدار صورٌ معلقة لنماذج من سلالها السابقة.

وقد أتقنت جاكسون فن نسج السلال من الألياف، وبفضل ذلك الإتقان أوجدت لنفسها مساحة في كبريات المعارض الفنية التي تنظمها أهم المتاحف الأميركية، بما في ذلك متحف سميثسونيان للفنون الأميركية («المتحف الوطني للفن الأميركي» سابقاً) في العاصمة واشنطن. وتعمل جاكسون وفقاً لتقاليد فنون الألياف الخاصة بمجتمع «جولا جيشي» في ولاية كارولينا الجنوبية الساحلية، حيث تعد صناعة السلال تقليداً تتناقله الأجيال على مر القرون، ويبدأ الأطفال الصغار تعلمه عندما يشرعون في عملية النسج نيابةً عن والدِيهم.

ويتركز فن الألياف داخل مجتمع السود في الجزر البحرية بكارولاينا الجنوبية، والذين يمكن تتبع لهجتهم وعاداتهم المميزة بالعودة إلى جذورها البعيدة في أوطانهم الأصلية في منطقتي غرب ووسط أفريقيا. وبدأت جاكسون تتعلم هذا الفن حين كانت في الرابعة من عمرها، حيث جلست عند ركبة والدتها في أواخر أربعينيات القرن الماضي، وربطت عقدتَها الأولى بأصابعها الصغيرة الناعمة، ثم دأبت منذ ذلك الوقت على ربط لفائف من أعشاب البحر، لتصبح لاحقاً إحدى أمهر صانعات السلال اليدوية التقليدية.

لقد نشأت جاكسون محاطة بأصحاب الخبرة ممن يتقنون هذا التقليد الفني العريق، وارتقت بمهارتها في النسيج من حرفة منزلية بحتة إلى براعة فنية عميقة ثقافياً. وبحلول منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانت جاكسون قد أتقنت أنواع السلال المعروفة لدى عائلتها، لكنها بدأت أيضاً في تغيير النسج بطرق مذهلة. وقد وفت بوعدها حين قالت ذات يوم: «سوف تتطور السلة من تلك التي صنعتها من قبل، كي تصبح كل سلة عملاً فريداً لا يتكرر».

(الصورة من خدمة «نيويورك تايمز»)