يجد العديد منا نحن الليبراليين أنفسنا الآن في موقف حرج فيما يتعلق بالهجرة. لسنوات عديدة، كنا نندد بالإجراءات القاسية التي اتخذها «الجمهوريون» لمنع المهاجرين اليائسين. لكن الرئيس جو بايدن قدّم الآن خطواته الصارمة للحد من طالبي اللجوء، والتي لا تختلف كثيراً عن نهج الرئيس دونالد ترامب.
وقد تلغي المحاكم الإجراءات الجديدة، لكن في هذه الأثناء يهاجم كثيرون من اليسار بايدن. وقد زاد السيناتور أليكس باديلا («ديمقراطي» عن كاليفورنيا) الوضع تعقيداً عندما أشار إلى أن بايدن كان يستعير من قواعد اللعب التي ينتهجها ترامب، قائلاً: «من خلال إحياء حظر اللجوء الذي فرضه ترامب، قوّض الرئيس بايدن القيمَ الأميركية».
وقال «كيكا ماتوس»، رئيس المركز الوطني لقانون الهجرة، إن «تبني الرئيس بايدن للسياسات الجمهورية خطأٌ لن يؤدي إلا إلى المزيد من الضرر والخلل الوظيفي».
إنني في صراع، وأجد نفسي محاصراً بين الغرائز المؤيدة للاجئين والاعتراف العملي بأن نظام الهجرة لم يكن ناجحاً: كان هناك سيل من المعابر غير القانونية، وقد وفر القانون ثغرةً تسمح للأشخاص بطلب اللجوء والبقاء إلى أجل غير مسمى سواء أكانت الإقامة مبررة أم لا.
إنني هنا فقط لأن عائلة من ولاية أوريجون قامت برعاية والدي في عام 1952 كلاجئ من أوروبا الشرقية. لكني توصلتُ على مضض إلى وجهة نظر مفادها أن بايدن يفعل الشيء الصحيح من خلال حملته القمعية. دعوني أوضح ذلك. لقد تم دفع الليبراليين، وأنا منهم، إلى اليسار، بسبب سياسات ترامب بشأن الهجرة، بدءاً مما يسمى «حظر المسلمين» إلى فصل الأطفال عن عائلاتهم والذي تم تنفيذه بشكل متعجرف لدرجة أنه في بعض الأحيان تعذر تحديد مكان أفراد الأسرة. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على مغادرة ترامب البيت الأبيض، لم يتم لم شمل حوالي 1200 طفل مهاجر مع أسرهم، وهو ما يسبب لنا عاراً كأمة.
ومع ذلك، لا أعتقد أن الحل هو فتح الأبواب أمام المهاجرين. في كثير من الأحيان، نتعامل نحن الأميركيين مع قضية الهجرة باعتبارها قضية ثنائية. هل نحن مع أو ضد. في الواقع، يجب أن يُنظر إلى الهجرة باعتبارها قرصاً نقوم بضبطه.
ومهما كان مدى إيماننا بالهجرة، فإننا لن نرحب بكل الأشخاص الذين نزحوا قسراً في مختلف أنحاء العالم والذين يبلغ عددهم 114 مليون شخص، ناهيك عن مليار طفل على مستوى العالم تشير التقديرات إلى أنهم يعانون نوعاً ما من الحرمان الشديد. ويتعين علينا أن نستقر على قبول جزء صغير من أولئك الذين يتوقون إلى القدوم، وتحديد هذا الجزء مسألةٌ سياسيةٌ مطروحةٌ أمامنا، مع العديد من المقايضات التي يتعين أخذها في الاعتبار.
تقدم الهجرة بشكل عام فوائدَ مهمة للبلاد، ويعتبر أرباب العمل والأثرياء فائزين بشكل خاص: فالمهاجرون يقللون من تكاليف العمالة للأشخاص الذين يستأجرون البستانيين ومقدمي الرعاية. لكن الأميركيين الفقراء قد يجدون أنفسَهم متضررين بسبب منافسة المهاجرين التي تفرض ضغوطاً تدفع أجورَهم إلى الانخفاض، رغم أن خبراء الاقتصاد يختلفون حول حجم هذا التأثير.
لقد تأثرتُ في تفكيري بكتاب رائع كتبه زميلي في صحيفة «نيويورك تايمز»، ديفيد ليوناردت، تحت عنوان «كان مستقبلنا مشرقاً»، وقد تناول فيه العديدَ من الدراسات حول تأثير الهجرة على الأجور. وخلص ليوناردت إلى أن الهجرة لم تكن السبب الرئيسي لركود الدخل بين العمال من ذوي التعليم المنخفض على مدى نصف قرن الماضي، لكنها كانت عاملاً ثانوياً مهماً.
أفكر في أحد جيراني، الذي ترك الدراسة في الصف السابع، وكان يكسب في السبعينيات أكثر من 20 دولاراً في الساعة (حوالي 150 دولاراً في الساعة اليوم). لقد اختفت هذه الوظيفة، وانتهى به الأمر لاحقاً بالعمل في وظائف بدوام جزئي وبحد أدنى للأجور وفقد منزله. لقد تضرر جراء العديد من العوامل، مثل تراجع النقابات، والعولمة، وتأثير التكنولوجيا.. إلخ، لكن تغلّب عليه المهاجرون الذين اكتسبوا سمعة طيبة بسبب العمل الجاد.
كثيراً ما يقال، إن الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة لا يهتمون بالوظائف التي يشغلها المهاجرون، لكن هذه ليست كل الحقيقة. قد لا يكون العديد من الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة على استعداد للكدح في الحقول أو في مواقع البناء مقابل 12 دولاراً للساعة، لكن ربما يكون ذلك مقابل 25 دولاراً للساعة.
وفي وقت يتخلف فيه بالفعل عددٌ كبير جداً من الأميركيين من الطبقة العاملة عن الركب، ثم يتعالجون ذاتياً ويموتون بسبب المخدرات والكحول والانتحار، ألا ينبغي لنا أن نكون حذرين بشأن إلحاق المزيد من الألم بهم من خلال سياسة الهجرة؟
قد يتضرر المهاجرون الجدد نسبياً هم كذلك من المهاجرين الأحدث، وهو ما قد يساعد في تفسير سبب اكتشاف مركز بيو أن ثلاثة أرباع الأميركيين اللاتينيين يعتقدون أن العدد المتزايد من الأشخاص الذين يسعون إلى دخول البلاد عبر الحدود الجنوبية يمثل «مشكلة كبيرة» أو «أزمة».
يشعر بعض الناخبين من الطبقة العاملة بالخيانة من قبل «الديمقراطيين» الذين دفعوا لفتح الحدود، وقد يكون هناك عنصر من كراهية الأجانب أو العنصرية في هذا الغضب - لكن هناك أيضاً عنصر من الحقيقة. فالولايات المتحدة تجعل من الصعب على الأطباء الأجانب ممارسة المهنة في أميركا، مما يحمي الأطباء الأميركيين من المنافسة. لكن الولايات المتحدة تسهِّل نسبياً على المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة العملَ هنا، وبذلك تخفِّض أجورَ عمالنا الأكثر ضعفاً.
إنني أتساءل أيضاً عن الحوافز التي نخلقها عن غير قصد. في قرى جواتيمالا، رأيتُ عائلات مستعدة لإرسال أطفالها في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى الولايات المتحدة، وأخشى أن سياسات الهجرة المتساهلة تشجع الناس على المخاطرة بحياتهم وحياة أطفالهم في الرحلة.
تعد السياسة بالطبع سبباً رئيسياً وراء تصرف بايدن بشأن هذه القضية، لكن هذا لا يعني أنه مخطئ بالضرورة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإحباط بشأن الهجرة يزيد من احتمالات فوز ترامب مجدداً بالبيت الأبيض، وسيهيمن «الجمهوريون» على الكونجرس والمحكمة العليا. وهذا شيء يجب على اليسار أن يعتبره كارثةً تستحق أن نحاول جاهدين تجنُّبَها.
بطريقة أو بأخرى، سيفرض الجمهور الغاضب التغييرَ على سياسة الهجرة. ومن الناحية المثالية، سيأتي هذا من خلال إصلاح تشريعي شامل لنظامنا المعطل، لكن ترامب و«الجمهوريين» عرقلوا هذا المسار هذا العام. وبالنظر إلى الخيارات المتاحة، فإنني أثق في بايدن أكثر من ترامب في تبني سياسات أكثر صرامة لا تزال معقولة ولا تشوه سمعة اللاجئين.
الواقع أننا لا نستطيع استيعاب كل مَن يريد الهجرة إلى بلادنا، ومن الأفضل أن يتم تنظيم هذه العملية من قبل أشخاص عقلاء. لذا، حتى باعتباري ابناً للاجئ، أعتقد بشكل عام أن بايدن اتخذ القرار الصحيح في الحد من الحصول على حق اللجوء.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»