تملك الشخصية الإماراتية أبعاداً متعددة أدت إلى تفردها وتميزها، ومكَّنتها من التحول من شخصية تقليدية إلى شخصية حداثية. وتمنحنا دراسة ملامح تكوين هذه الشخصية ومرتكزاتها فهماً عميقاً للماضي، وإدراكاً تامّاً للحاضر، وتخطيطاً واعياً للمستقبل، ويمثل ذلك كله الأساس الذي نبني عليه استراتيجيات مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة، ما يتيح لنا التماهي مع التطور المتسارع في العالم، فالبقاء وسط هذا التسارع اللامحدود يتطلب وعياً جمعياً بالذات والعالم المحيط بنا، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية التعرف إلى أهم ملامح بناء الشخصية الإماراتية، ومرتكزاتها. 

تكوَّنت الشخصية الإماراتية وفق مرتكزين اثنين هما: 
- المرتكز المكاني: أدت البيئة الصحراوية دوراً محوريّاً في تشكيل الشخصية الإماراتية، فأثرتها بخصائص متنوعة منها القوة، والتعاون، والابتكار، والاحترام العميق للموارد والبيئة. وقد نشأت الشخصية الإماراتية، منذ فجر تاريخ الحياة على هذه البقعة من الأرض، وهي تعيش وسط بيئة صحراوية محيطة بها، ما انعكس عليها بعدد من السمات. 
وعلَّمت سمات البيئة الصحراوية -وأبرزها القسوة، والتقلبات المناخية، وندرة الموارد الطبيعية- السكان كيفية التأقلم مع الظروف الصعبة، والتحديات المستمرة، وانعكست هذه السمات بوضوح في الشخصية الإماراتية التي تمتاز بالقوة، والقدرة على مقاومة الصعاب، كما خلقت شعوراً عاماً بأهمية التكافل، ذلك أن ندرة الموارد جعلت السكان يتكافلون من أجل توفير احتياجات الجميع، ما أسهم في تقوية الروابط المجتمعية بين الأفراد، ومن ثَمَّ تحقيق التماسك الأسري الذي يعد مظهراً إيجابيّاً للتكافل المجتمعي. وإضافةً إلى ذلك، فإن شح الموارد الطبيعية زرع في الشخصية الإماراتية احترام الموارد المتاحة، والسعي إلى تعظيم فائدتها.
- المرتكز الديني والروحي: للدين والقيم الروحية دور مهم ومتجذِّر في تكوين الشخصية الإماراتية، فالإسلام هو الدين السائد في المجتمع الإماراتي منذ أكثر من 1400 عام. ويؤدي الدين الإسلامي وتعاليمه دوراً مركزيًّا في بنية القيم الأخلاقية والروحية والإنسانية للشخصية الإماراتية. وتوجه التعاليم الحقيقية للإسلام الأفراد إلى التحلي بالفضائل مثل الصدق، والعدل، والكرم، وتعزز قيم التعاطف، والتكافل الاجتماعي، كما أنها تؤكد أهمية الأسرة، وتمتين أواصر العلاقات الأسرية والاجتماعية، في حين أن تعاليم القرآن الكريم تدفع إلى السلام، والتسامح، والتعايش مع الآخرين. 
ويَعُد الإسلام العمل شكلاً من أشكال العبادة، ويشجع على الاجتهاد والتميز، ونظراً إلى تأثر الشخصية الإماراتية بهذه القيم، فإنها تسعى جاهدةً إلى الإنجاز والنجاح في مختلف المجالات. 
وبشكل عام يمثل الدين والقيم الروحية بوصلة الشخصية الإماراتية، ويمنحانها بُعداً أخلاقيّاً وروحيّاً مميزاً، ويظهر هذا التأثير بوضوح في القيم الاجتماعية، والأخلاقية، والثقافية للمجتمع الإماراتي. 
ويمكن تقسيم الشخصية الإماراتية إلى نوعين رئيسيين هما: 
- الشخصية التقليدية: ترتبط بالتاريخ والتراث ارتباطاً عميقاً، وتشكَّلت داخل البيئات الثلاث لدولة الإمارات: الصحراوية، والبحرية، والجبلية. وتمتاز هذه الشخصية بالصلابة، والقدرة على التأقلم، والمرونة، وقوة الروابط الأسرية، والولاء القبلي، وتقدير التقاليد والعادات، كما أنها تملك عمقاً من القيم الروحية والسمات الأخلاقية المستمدَّة من الدين الإسلامي. وتعتري هذه الشخصية حالة من التخوف تجاه أي محاولة تغيير، أو تجديد. 
- الشخصية الحداثية: تتأثر بالعولمة والحداثة، وتولي التكنولوجيا والتعليم المستمر أهمية كبيرة، وتمتاز بالتوجه نحو الابتكار والريادة في مختلف المجالات، وتستند إلى التطوير المهني والشخصي المستدام، وهي قادرة على التفاعل مع الثقافات المختلفة، وتتمتع بمساحة كبيرة من مفاهيم التعايش، والتسامح، وقبول الآخر. 

وتمتاز الشخصية الإماراتية الحداثية بقدرتها على تحقيق التوازن بين الموروث والحداثة، إذ تجمع بين احترام التقاليد والقيم الأصيلة للمجتمع الإماراتي، والانفتاح على الثقافات العالمية، والاندماج في المنظومة الإنسانية للحضارة البشرية. 

وختاماً يمكن القول، إن تعدد الأبعاد، وتنوع المؤثرات، أسهما في تشكُّل شخصية إماراتية متفرِّدة ومتطورة، تجمع بين احترام التقاليد الموروثة، ومتغيرات الحداثة. وتقف الشخصية الإماراتية -بما تحمله من تقدير للبيئة الصحراوية والقيم الروحية والدينية، وبانفتاحها على التقدم والابتكار- شاهدةً على قدرة البشر على التأقلم والتميز في مواجهة التحديات. 

وتُظهر تجربة الشخصية الإماراتية أيضاً كيف يمكن لمجتمع أن ينمو ويتطور مع الحفاظ على جذوره وهويته، والموازنة بين احترام الماضي، وتبني المستقبل. ويتيح فَهْم هذه الشخصية لنا جميعاً أن نستشرف مستقبلاً يتميز بالتعايش والتطور، ويعكس أفضل ما في تقاليدنا، ويحقق آمالنا وتطلعاتنا. 

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر في كليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر في جامعة الإمارات العربية المتحدة.