تتطلَّب الريادة في منظومة البحث العلمي توجيه الإنتاج العلمي بما يخدم متطلبات التنمية المستدامة؛ ولذا يُعد التخطيط الاستراتيجي للبحث العلمي أهم عنصر في توجيه البحوث العلمية نحو ما تتطلع إليه الدول؛ نظراً إلى كونه أحد أركان تطور المجتمعات، ومقياس تقدمها العلمي والأكاديمي.
وتتمتع المنظومة البحثية في دولة الإمارات العربية المتحدة بخبرات تراكمية وبنية تشريعية متينة؛ إذ اعتمدت الحكومة «أجندة الإمارات للعلوم المتقدمة 2031» الهادفة إلى توظيف العلوم المتقدمة في تطوير وابتكار حلول للتحديات المستقبلية، ودعم الجهود الحكومية لتحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071؛ ويوجَد حرص كبير من قادة دولة الإمارات على دعم جهود البحث العلمي؛ فقد أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً اتحاديّاً بتعيين مستشار لرئيس الدولة لشؤون الأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة.
وتملك دولة الإمارات المقومات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تساعد على وجود مراكز بحثية بمستوى عالمي، مثل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ومركز تريندز للبحوث والاستشارات، ومراكز بحثية متخصصة تدعمها الحكومة داخل الدولة وخارجها، مثل وكالة الإمارات للفضاء، ومركز زايد لأبحاث الأمراض النادرة لدى الأطفال في المملكة المتحدة، والكثير منها في نمو ودعم مستمرين؛ إضافة إلى الجامعات الحكومية والخاصة بمراكزها البحثية الأكاديمية.
وفي الإطار نفسه أسست دولة الإمارات مجالس علمية اتحادية ومحلية، مثل مجلس علماء الإمارات الذي أُنشئ في عام 2016 لتعزيز ثقافة العلوم والبحث ودعم الاقتصاد المعرفي؛ ومجلس الإمارات للبحث والتطوير، الذي شُكّل في عام 2021؛ من أجل تسريع مساعي البحث والتطوير في الدولة؛ ومجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة الذي أُسس لتحويل أبوظبي إلى مركز عالميّ رائد للأبحاث.
وإلى جانب ذلك أطلقت مراكز دراسات وجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرات بحثية مثَّلت تطوراً لافتاً للنظر؛ فقد أطلق مركز الفجيرة للبحوث مبادرة «الباحثون الإماراتيون»، وأنشأت جامعة الشارقة «برنامج الزمالة البحثية للشباب الإماراتي»، في حين أطلق صندوق الوطن منصة «باحث». ويُعد مشروع «مفكرو الإمارات» أحد أبرز مشروعات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
وفي إطار مواكبة «مشروع تصميم الخمسين عاماً القادمة لدولة الإمارات»، وتوحيد المساعي البحثية لتحقيق مراكز ريادية في المؤشرات العالمية للبحث العلمي؛ فإن من الضروري تشكيل هيئة عليا متخصصة برسم السياسة الوطنية للبحث العلمي، تنظم الجهود البحثية التي تبذلها الدولة في الوقت الراهن، وتكون مرجعية لمنظومة البحث العلمي في تمثيل الحكومة الإماراتية محليّاً ودوليّاً؛ إذ تعمل على توجيه البحث العلمي وإدارته بحسب الحاجات والأولويات الرئيسية، واقتراح حاضنات وطنية يمولها القطاع الخاص؛ بحيث تُلزم القطاعات البحثية وخاصة طلاب الدراسات العليا في الجامعات بأولويات محددة تخدم أهداف القطاع الخاص؛ ما يعزز العلاقة بين القطاعين الأكاديمي والصناعي، مع توفير منظومة متكاملة، مثل إنشاء صندوق البحث العلمي للتمويل؛ بهدف وضع الآليات المناسبة لتوزيع الموارد المتاحة، واستخدامها بكفاءة وفق الأولويات البحثية في المجتمع، وترويجها بين المستفيدين في المجال الصناعي التطبيقي داخل الدولة وخارجها.
وأخيراً تستطيع الهيئة الوطنية للبحث العلمي تقويم الأداء السنوي لإسهام دولة الإمارات في البحث العلمي بقياس جودة البحوث، وتحديد فائدتها في تطوير المؤسسات الاجتماعية، ودرجة التعاون في الشراكات المحلية والعالمية، ومدى مساهمة الباحثين الإماراتيين في إجراء البحوث، وتأهيل كوادر شبابية متميزة تسهم في إثراء الاقتصاد المعرفي والعلمي.
*أكاديمية في قسم علم الاجتماع بجامعة الشارقة، ورئيسة قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي