يزداد عدد المصانع العملاقة في صحراء هذه المدينة. إنها نقطة البداية لرهان الرئيس بايدن الهائل على أنه يستطيع أن يعيد إلى أميركا واحدة من أهم وظائف التصنيع في القرن 21: صناعة رقائق أشباه الموصلات. فقد وافق الكونجرس على تمويل بقيمة 53 مليار دولار، وأعلن البيت الأبيض عن اتفاقيات أولية لتقديم مِنح بالمليارات لشركات مثل «انتل»، و«تي إس إم سي» و«ميكرون». والآن يأتي التحدي الأكبر على الإطلاق: إيجاد العدد الكافي من العمال لتحقيق ذلك. وبالفعل، تكافح الشركات لتوظيف عدد كافٍ من عمال البناء، وخاصة عمال اللحام ومركبي الأنابيب.
وقد تأجل افتتاح المصانع حتى عام 2025 أو بعد ذلك. تحتاج الصناعة إلى ما يصل إلى 70 ألف عامل جديد لتشغيل مصانع التصنيع المعروفة باسم «فابز»، الكثيرون منهم مهندسون وعلماء كمبيوتر. وهناك حوالي 28000 من الفنيين الذين لا يحتاجون للحصول على درجة علمية ولكنهم بحاجة إلى مهارات متخصصة، حيث يقوم الفنيون ببرمجة الآلات التي تنتج الرقائق الصغيرة التي تعتبر بالغة الأهمية للهواتف الذكية والسيارات والصواريخ.
لقد جئنا إلى فينيكس بسؤال بسيط: هل هذا ممكن؟ فهل تتمكن أميركا من تنمية المواهب الخاصة بها، أم هل سيتعين على العمال الأجانب أن يشغلوا الوظائف؟ نحن متفائلون إلى حد ما. نعم، إن الولايات المتحدة قادرة على إعادة بناء صناعة الرقائق الإلكترونية مقابل تكلفة كبيرة. لقد كانت البلاد تصنِّع 37% من أشباه الموصلات في العالم في عام 1990، بينما تنتج 10% فقط الآن. ومن الأرخص بكثير أن نبني مصنعاً ونزوده بالموظفين في آسيا. بالفعل، تتصدر شركة TSMC عناوين الأخبار لجلب العمال التايوانيين، مما تسبب في احتكاك مع الأميركيين.
وهذا ينطوي على تهديد: إذا لم يكن العمال الأميركيون جاهزين، فسيأتي المزيد من العمال الأجانب. لإعداد عدد كافٍ من الأميركيين لإدارة هذه الصناعة، يتعين على الولايات المتحدة أن توسع بسرعة التدريب في كليات المجتمع، والبرامج المهنية في المدارس الثانوية، والتدريب المهني. وهذا ليس سهلاً. حتى في أريزونا، لم يسمع الكثير من الناس قط عن صناعة أشباه الموصلات. يمثل استقطاب الطلاب للتسجيل تحدياً، حيث أنه من الصعب العثور على فنيين ذوي خبرة لتدريس الدورات. ثم هناك العائق الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق: هذه صناعة تشهد دورات من الازدهار والكساد.
في الوقت الحالي، الأعمال بطيئة، وتقوم بعض الشركات بتسريح العمال. في أواخر شهر مارس الماضي، قمنا بزيارة فصل «إيلور»، وهو الأول في برنامج تدريبي مدته 10 أيام مصمم لتوفير وظائف للمبتدئين. كان هذا الفصل كله من الإناث - كجزء من حملة لجلب المزيد من النساء والأشخاص الملونين إلى الصناعة. وعندما قدم الطلاب أنفسهم، كان من الواضح أن الكثيرين منهم رأوا أن هذا هو طريقهم إلى الطبقة الوسطى. كانت العديد من النساء يخرجن من علاقات تعسفية. وكان العديد منهم يحاولون ترك وظائف منخفضة الأجر في المتاجر الصغيرة وخدمات التوصيل وفي التعليم.
تم الإعلان عن برنامج «كويك ستارت» أو «البداية السريعة» هذا كنموذج وطني منذ إطلاقه في عام 2022 بزيارة السيدة الأولى جيل بايدن. يتم تغطية الرسوم الدراسية البالغة 291 دولاراً لسكان أريزونا الذين يجتازون الاختبار النهائي. يتعرف الطلاب على الأدوات والعمليات الأساسية و«التفكير الهزيل» الذي يسعى إلى إيجاد الكفاءات باستمرار (التفكير الهزيل هو فلسفة تؤكد على خلق القيمة من خلال السعي الحثيث للتخلص من الهدر.) كما أنهم يرتدون «بدلات الأرنب» البيضاء التي يجب ارتداؤها خلال نوبات عمل مدتها ثماني ساعات للحفاظ على نظافة المصانع. كانت الإثارة ملموسة في الليلة الأولى. ولكن عندما قمنا بالتحقق مرة أخرى بعد شهر، وجدنا أن طالباً واحداً فقط من دفعة شهر مارس قد حصل على وظيفة في الصناعة. نادراً ما كانت تحضر أي شركة إلى معرض التوظيف الأخير للطلاب.
في مرحلة ما، لا شك أن الصناعة ستشهد انفجاراً في الوظائف. لكن الطلاب لا يستطيعون الانتظار إلى الأبد. تفاخر الرئيس بايدن بأن العمال يمكن أن يحصلوا على ستة أرقام، لكن معظم الوظائف المبتدئة في الشركات المصنعة التي تسمع عنها تدفع أجورا تتراوح بين 20 إلى 25 دولارا في الساعة، أو حوالي 50 ألف دولار سنوياً. انخفاض التوظيف يقوض التدريب. في العام الدراسي الماضي، كان هناك أكثر من 600 طالب يتلقون برنامج «كويك ستارت» في كلية «ماريكوبا» المجتمعية. وقد انخفض هذا العدد إلى 370 لهذا العام الدراسي. لا يتم تقديم أي دورات هذا الصيف، ويطلب الموقع الآن من المتقدمين التحقق مرة أخرى في أغسطس. بدأ مركز ويسترن ماريكوبا التعليمي، وهو مدرسة ثانوية عامة في غرب فينيكس، في تقديم دورة تدريبية حول «أنظمة الطاقة والتصنيع». يقضي الطلاب عامين في تعلم بناء واستخدام المضخات والصمامات والمكونات الهيدروليكية والأسلاك الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر الصناعية والروبوتات. التحدي الأكبر الذي يواجه «ويسترن ماريكوبا» هو إيصال المعلومة إلى عدد أكبر من الشباب.
لا ينمو معظم الأطفال الأميركيين وهم يحلمون بالعمل في مجال أشباه الموصلات. عندما يدخل المراهقون إلى مختبر التكنولوجيا الفائقة في ويسترن ماريكوبا، بأذرعه الآلية وآلاته الضخمة، غالبا ما تكون هناك لحظ اندهاش. ما أصبح واضحا لنا في فينيكس هو أن نموذج التدريب المثالي في صناعة أشباه الموصلات هو التلمذة الصناعية. لقد رأينا مدى فعالية مبدأ «اكسب بينما تتعلم» عندما قمنا بزيارة نقابات عمال البناء في ولاية أريزونا.
قال «ترافيس ليرد»، مدرس الرياضيات السابق الذي يساعد في إدارة مركز التدريب: «من اليوم الأول، تكسب 21.41 دولاراً في الساعة، وتوفر المال للتقاعد والرعاية الصحية. لا توجد رسوم دراسية هنا. يمكنك إنهاء هذا البرنامج بدون ديون. نحن نستقطب الناس من جميع أنحاء البلاد». ما نحتاجه الآن هو الوقت. إذ سيستغرق الأمر سنوات حتى يتم تدريب عدد كافٍ من الأميركيين على القيام بأعمال البناء ووظائف المصانع. تتمتع صناعة الرقائق بالقدرة على تغيير حياة أولئك الذين يمكنهم الدخول فيها. ويشهد العديد من عمال البناء بالفعل هذا الارتفاع.
هيذر لونج *
كاتبة عمود لدى صحيفة واشنطن بوست.
كاي ريسدال**
**صحفي لدى واشنطن بوست.
ماريا هولينهورست***
***صحفية لدى واشنطن بوست.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج أند سينديكيشن»