في بصيص من التقدم في المهمة الشاقة المتمثلة في الحد من التأثير المناخي للسفر الجوي، من المتوقع أن يبدأ مصنع تم بناؤه حديثاً في ريف جورجيا في ضخ أول كميات تجارية في العالم من نوع جديد من وقود الطائرات النظيف هذا الشهر.
سيكون المصنع الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار، والتابع لشركة «لانزا جيت» LanzaJet Inc أول مصنع يحول الإيثانول إلى وقود متوافق مع المحركات النفاثة. يعد هذا المرفق واحداً من العديد من الجهود في جميع أنحاء العالم التي تحاول حل واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه السفر الجوي الأكثر مراعاة للبيئة، والتي تتمثل في إيجاد وتطوير مواد أولية أنظف يمكنها توليد كميات هائلة من الوقود دون إحداث تأثيرات مضاعفة تؤدي في النهاية إلى تفاقم أزمات المناخ والتنوع البيولوجي.
كان التقدم المحرز حتى الآن محدوداً للغاية. وتتطلب الجهود المبذولة لإنتاج أنواع جديدة من الوقود الأنظف مئات الملايين من الدولارات، لكن المستثمرين ظلوا قلقين من أن المصانع المحتملة تعاني بشكل روتيني تأخيرات طويلة وتكافح من أجل التشغيل.
يقول «هيمانت ميستري»، مدير التحول إلى انبعاثات صفرية في الاتحاد الدولي للنقل الجوي، والذي تعهد بأن صناعة الطيران ستتخلص من انبعاثاتها الكربونية بحلول عام 2050، في الغالب عن طريق استخدام كميات هائلة من وقود الطائرات الأنظف: «نحن بحاجة إلى التوسع بنحو 1000 مرة».
في منشأتها الجديدة التي يطلق عليها اسم «فريدم باينز فيويلز» Freedom Pines Fuels، تخطط لانزا جيت لإنتاج 9 ملايين جالون من وقود الطيران المستدام (SAF) سنوياً. تعد هذه مجرد خطوة صغيرة إلى الأمام، إذ يستغرق الأمر وجود 100 من هذه المحطات لتلبية 1% فقط من احتياجات شركات الطيران التجارية في العالم، والتي استهلكت 90 مليار جالون من وقود الطائرات في العام الماضي.
لكنها تقدم لمحة عن الاتجاه الذي تريد صناعة الوقود النظيف أن تسلكه. معظم وقود الطائرات المستدام اليوم مشتق من الدهون الحيوانية وزيوت النفايات، وهي نادرة نسبيا. ويتم بالفعل جمع زيت الطهي المستعمل على نطاق واسع لأغراض النقل البري، مع وجود فرصة متواضعة للنمو، بينما قامت السوق منذ فترة طويلة بتحويل الدهون الحيوانية إلى مكونات لأغذية الحيوانات الأليفة والمنظفات.
وتحذر المجموعات البيئية من أن الطلب القوي من الطيران يمكن أن يدفع هذه الصناعات الأخرى إلى التحول إلى المكونات الضارة بالمناخ، مثل زيت النخيل.
وقد جعل هذا عمالقة الطيران يجوبون العالم بحثاً عن بدائل للوفاء بالتزاماتهم المناخية. وقد تعهدت شركة «آي إيه جي إس إيه» IAG SA، الشركة الأم لشركة الخطوط الجوية البريطانية، بزيادة استخدام وقود الطيران المستدام إلى 10% بحلول عام 2030. وفي العام الماضي، استحوذت على 17.6 مليون جالون، أو 0.66%، من إجمالي الوقود. وعلى الرغم من أن هذا الكم ضئيل، إلا أنه يفوق ما حصلت عليه شركات الطيران الأميركية. وتتصدر شركة «يونايتد إيرلاينز هولدنجز» شركات الطيران الأميركية، لكنها حصلت على أقل من 0.1% من وقودها من مصادر نظيفة العام الماضي. كل الوقود النظيف الذي حصلت عليه شركة IAG في العام الماضي جاء من المواد الأولية التقليدية مثل زيوت النفايات، وفقاً لآرون روبنسون، نائب رئيس الشركة لوقود الطيران المستدام في الولايات المتحدة.
لكن هذا قد يتغير قريباً. قبل ثلاث سنوات، دخلت الخطوط الجوية البريطانية في شراكة مع لانزا جيت، حيث استثمرت في بناء شركة «فريدم باينز»، وتعاونت في إنشاء منشأة للوقود النظيف في المملكة المتحدة، والتي تأمل أن يتم تشغيلها بحلول عام 2028. وسينشر كلا المصنعين تكنولوجيا تعرف باسم تحويل الكحول إلى وقود للطائرات النفاثة، والذي يستخدم التفاعلات الكيميائية لتطوير الإيثانول إلى وقود قوي قادر على تشغيل التوربينات النفاثة. وتأمل IAG أن تستهلك أول وقود طيران مستدام من مصنع جورجيا في وقت لاحق من هذا العام.
يقول روبنسون من IAG: «التنويع مهم. وهذا هو السبب في أن تحويل الكحول إلى وقود للطائرات النفاثة هو مجال جذاب للغاية بالنسبة لنا».
ويمكن أن يتجنب هذا الأمر قضية شائكة تواجه جهود الحصول على الوقود النظيف في الصناعة. في الولايات المتحدة، تدعو شركات الطيران إلى وضع قواعد من شأنها أن تسمح لإيثانول الذرة بالتأهل للحصول على الإعفاءات الضريبية الخاصة بوقود الطائرة المستدام. إنه أمر مثير للجدل لأن سياسات الوقود المتجدد التي تم سنها في الولايات المتحدة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن أدت إلى تحويل حوالي 40% من محاصيل البلاد إلى وقود.
وقد أدى هذا إلى ارتفاع الطلب على الذرة، وغيرها من المحاصيل، الأمر الذي أدى إلى إحداث تغييرات في استخدام الأراضي ليس فقط في الولايات المتحدة، بل أيضاً على مستوى العالم. وتضمنت هذه التغييرات إزالة الأراضي العشبية والغابات الغنية بالكربون لزراعة المزيد من المحاصيل، ما أدى إلى إبطال معظم الفوائد المناخية للإيثانول المستخرج من الذرة. شركات الطيران مقتنعة بإمكانية تحقيق ذلك مع وجود تأثيرات مناخية أقل بكثير.
يقول «جيمي سامارتزيس»، الرئيس التنفيذي لشركة لانزا جيت، إن شركة فريدوم باينز ستحقق في البداية فوائد مناخية ضئيلة لأنها ستستخدم إيثانول الذرة من الغرب الأوسط الأميركي «لحل مكامن الخلل». وعندما يبدأ تشغيله على مدى ثلاثة إلى ستة أشهر، فإنه سينتقل إلى استخدام إيثانول قصب السكر من البرازيل، والذي له تأثيرات أقل على استخدام الأراضي. إن القيام بذلك من شأنه أن يقلل من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري بمقدار النصف على الأقل مقارنة بوقود الطائرات الأحفوري، وفقا لوكالة حماية البيئة الأميركية.
ويضيف سامارتزيس أنهم سيستخدمون قريباً أيضاً الإيثانول المشتق من منتجات النفايات، مثل سيقان الذرة والمخلفات الزراعية الأخرى. ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى توفير قدر أكبر من استخدام الكربون، لأنه يس له تأثير كبير على تحفيز التغييرات في استخدام الأراضي التي قد تضر بالمناخ.
في تقرير لها عن سوق وقود الطائرات المستدام، توقعت شركة الاستشارات «إل إي كيه» أن يتجاوز تحويل الكحول إلى وقود للطائرات الوقود النظيف اليوم ليصبح أكبر مصدر في العالم لوقود الطائرات المستدام بحلول منتصف العقد المقبل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»