في ظل مساعيها المتواصلة لإرساء الاستقرار والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، تبنت دولة الإمارات استراتيجية ارتكزت دعائمها على مكافحة انتشار الأسلحة النووية، والعمل على إقامة عالمٍ خالٍ من الأسلحة غير التقليدية، كما طالبت الإمارات عبر مختلف المحافل الدولية، وفي كل المناسبات ذات الصلة بضرورة الالتزام بالاتفاقيات المتعلقة بنزع السلاح، وعدم الانتشار.
وتشمل جهود الإمارات لمكافحة الأسلحة المحرمة «دولياً» مواقف عدة؛ كان أحدثها في 12 أبريل الجاري من خلال مطالبة كوريا الشمالية بتفعيل مسار كامل، قابل للتحقق، ولا رجعة فيه لنزع سلاحها النووي، وإدانة تصريحات أدلى بها وزير التراث الإسرائيلي بشأن استخدام السلاح النووي ضد غزَّة في نوفمبر الماضي، خلال مؤتمر إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وتعكس تصريحات دولة الإمارات وسياساتها في هذا المجال انتهاج استراتيجية المسارات المتوازية لتأكيد مصداقية مواقفها، وتحقيق إجماع دولي حيالها من خلال الانضمام عام 2003 لـ «اتفاقية الضمانات الشاملة» مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوقيعها عام 2009 على البروتوكول الإضافي للاتفاقية، والذي يعد آلية موثوقة لضمان استخدام المواد والمرافق النووية للأغراض السلمية.
كما انتهجت دولة الإمارات سياسة التعاون متعدد الأطراف؛ انطلاقاً من إدراكها بأهمية تضافر الجهود الدولية لمعالجة الجوانب المتعلقة بمسائل نزع السلاح والأمن الدوليين كافة، لا سيما مع تفاقم الصراعات المسلحة، وتنامي التحديات التي غدت تسهم في تآكل النظام العالمي لنزع السلاح وعدم الانتشار، وتراجع التزامات الدول تجاهه.
وقد تمسكت دولة الإمارات بدعوتها لمختلف الدول التي تفتقد أنشطتها النووية للشفافية إلى تقديم التعاون اللازم والاستجابة العملية لاستفسارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مطالبة بضرورة معالجة الشواغل الدولية حيال أنشطتها، واستعادة الثقة في الطبيعة السلمية لبرامجها النووية. وقد شهد هذا المسار تشديد دولة الإمارات على ضرورة دخول معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيز النفاذ، مطالبة دول الملحق الثاني باتخاذ خطوات عاجلة للتوقيع على الاتفاقية والتصديق عليها، لتيسير دخولها حيز النفاذ.
وفي الواقع، فإن محركات دولة الإمارات حيال قضايا الانتشار ارتبطت بمساعيها لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والتوصل لمعاهدة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية ومختلف الأسلحة غير التقليدية، ووضع تدابير تحقُق معترف بها دولياً، لضمان امتثال الدول بالتزاماتها النووية، وهي غايات ارتبطت بسعي الدولة لتحقيق الآتي:
- استباق التهديدات الناشئة؛ من خلال تجنب بروز تحدي «الإرهاب النووي»، والذي يرتبط باحتمالية وصول أسلحة غير تقليدية لتنظيمات إرهابية، وقد تركزت جهود دبلوماسية دولة الإمارات في هذا الشأن على تنبيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأهمية تعزيز العمل لجماعي لمكافحة الارهاب النووي، وتشديد الرقابة والتنسيق بخصوص أنشطة «المبادرة الدولية لمكافحة الإرهاب النووي».
- الحد من الحروب غير التقليدية، نظراً لتزايد مخاطرها في مرحلة تشهد تفاقم الصراعات بين القوى الدولية النووية وتلويح بعضها بإمكانية استخدام أسلحتها غير التقليدية، ما بات يطرح تهديدات تتعاظم مخاطرها في عالم يحوي ما بين 15-18 ألف رأس حربي نووي، ويعاني وضعاً جيوسياسياً متدهوراً بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، والتوترات القائمة في المحيط الهادئ بين الصين وتايوان، فضلاً عن الأزمة بين الكوريتين.
- الاستثمار في البرامج السلمية؛ عبر تركيز الجهد السياسي والدبلوماسي على تطوير التضامن الدولي لتعزيز الشفافية والرقابة على انتشار البرامج النووية، خاصة أن دولة الإمارات تمتلك فعلياً عدداً من المفاعلات النووية، ويستند برنامجها السلمي إلى ستة التزامات تشمل؛ الشفافية التشغيلية، وأعلى معايير حظر الانتشار وضمان السلامة والأمن والاستدامة.
وعليه، فإن تحركات دولة الإمارات لمكافحة انتشار الأسلحة النووية تستند إلى استراتيجية شاملة لتعظيم الفرص ومكافحة التهديدات عبر تعزيز القدرات النووية السلمية تزامناً مع قيادة الجهود الدولية للحد من مخاطر الانتشار النووي ضمن نهج سياسي ودبلوماسي يتسم بالتوازن النوعي والوعي الراسخ بطبيعة التحديات القائمة والمحتملة للوضع الجيواستراتيجي، إقليمياً ودولياً.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية