دعونا نطرح سؤالاً بيئياً ربما يكون قد جاء متأخراً هو في حقيقته عود على بدء: ما هو تعريف البيئة ونحن نتحدث عنها بهذا الإسهاب وعن الجدل حول الدفاع عنها وحمايتها بهذا الشكل المتعمق؟ تعرف البيئة بأنها العلاقات المتداخلة بين الكائنات الحية وعلاقات تلك الكائنات بالمحيط الذي تعيش فيه. يبدو هذا التعريف بسيطاً ومختصراً لكنه من أدق وأفضل التعريفات التي وردت حتى الآن، وهو تعريف قديم جداً يعود وروده إلى عام 1869. إن محتوى هذا التعريف يعكس أنه عندما يحاول البشر الإمساك بأمر ما بمفرده يجدون بأنه معلق أو مرتبط بكل شيء آخر في هذا الكون. فهو بذلك تعريف قائم على منهج النظم المتكاملة مطبق على العلوم الطبيعية، وهو ينظر إلى كامل المجتمعات بصورة جماعية كلية وعلاقتها ببيئتها الحيوية، فهو إذاً لا ينظر إلى مخلوق واحد من الحيوانات أو النباتات بمعزل عن المخلوقات الأخرى. وعليه، فإذا ما كانت البيئة هي أي شيء في هذا الكون فهي كلية جامعة تجد أمامها العديد من المتغيرات المستمرة. إن هذا التعريف يتم التعبير عنه بشكل جيد عندما تدرك البشرية بأنها عندما قامت باختراع الآلات والتكنولوجيا فإنها هي ذاتها التي تقوم بتحريكها ضمن نسق من الاعتماد المتبادل، وهي التي تقوم ببناء المدن الكبرى المكتظة بالسكان لتخلق نظاماً اجتماعياً قائماً على الاعتماد المتبادل بين سكانها.
لذلك فالآن لا يوجد مهرب للبشرية مما قامت أو تقوم أو ستقوم به في المستقبل، فالكل غير قادر على العيش الحر وهو معزول عن الآخرين، أو بعيداً عن الأرض الصلبة التي يقف عليها. البشر كأفراد هم منعزلون لا حول لهم ولا قوة، في داخلهم اغتراب يحتم عليهم الاعتماد على الآخرين ضمن النظام الاجتماعي الذي يعيشون فيه. نفس الفكرة يمكن تطبيقها على كافة الكائنات الأخرى، فهي معتمدة على بعضها بعضاً، وهي تابعة لمنظومات محددة من المتطلبات والأوضاع الخاصة. هي في حقيقتها تحالفات بين منظومات محددة من المخلوقات من نفس الأجناس، المبدأ الأساسي فيها هو الاستقرار المعتمد على شبكة من العلاقات المعقدة والمتداخلة التي تقدم طرقاً بديلة للحياة عندما تختفي أو تتضرر الطرق الأساسية الأولى. وإذا ما كان يوجد اتساق وتناغم بين المخلوقات البيئية بهذا الشكل، فما هو تأثير ذلك على البيئة العالمية؟ بمعنى كيف تصبح المشاكل البيئية عالمية في نطاقها؟ يمكن توقع أن تكون الإجابة على هذا السؤال خاضعة لقوانين منظومة مركبة من العلوم الطبيعية وليس قانون علم طبيعي واحد، فيمكن مثلاً توقع إجابة خاضعة لعلم الكيمياء أو لعلم الطبيعة. لنأخذ مشكلة تآكل طبقة الأوزون كمثال. هي مشكلة بيئية عالمية بسبب من انبعاث الغازات والأبخرة على نطاق عالمي من قبل مجريات ونشاطات تحدث في كل دولة من دول العالم أقلها استخدام وسائط النقل ذات الوقود الأحفوري. لكن هل مثل هذه الإجابة كافية أو مقنعة للجميع؟ بالنسبة للداعين إلى المحافظة على البيئة تعتبر إجابة جزئية وليست شاملة. لذلك من المهم أن تدرك البشرية بأن هذا النوع من الاهتمام العالمي بسلامة البيئة له أسبابه المتعددة ولا يكفي سياقة سبب جزئي والتعميم من خلاله على كامل المشكلة، فأحياناً من الصعب أن يكون الجزء هو السبب في دمار الكل، والجزء لا يمكن أن يكون سبباً للنطاق العالمي للمشاكل البيئية.
وعليه فعند الرغبة في إيراد تعريف للبيئة لا بد من مراجعة الأنماط الرئيسة للتلوث والمخاطر الأولية على تدهور الموارد، وتحديد العوامل التي تتسبب في الدمار البيئي، وفيما إذا كانت ملوثات البيئة هي نتاج للنشاط الإنساني، وتحديد كميات الموارد وتركيباتها التي يتم استخدامها في هذا النشاط. وربما تبدو مثل هذه الإجابات بسيطة لكنها تبقَى مفيدة على هذا النمط من التساؤلات المطروحة ومن المفترض الالتفات إليها جيداً عند الرغبة في إيراد تعريف دقيق يعتد به للبيئة، وربما أن ذلك متوافر في التعريف البسيط الذي سقناه.
*كاتب إماراتي